بين الأصل الأول وبين المنقول عنه. فقد تسقط ألفاظ أو جمل عند النقل من باب النسيان أو السهو، أو لعدم وضوح المعنى، أو للخطأ في قراءة بعض الألفاظ أثناء النقل، أو للخطأ في السمع إذا ما أملى على الناسخ ما يكتب. وبعض النساخ يغيرون ويعدلون الألفاظ التي ظنوا أنها وردت خطأ في الأصل الأولى، واعتقدوا أن من واجبهم تصحيحها.
والتغيرات الناتجة عن عمد أو عن خطأ في فهم النصوص من الصعب تحقيقها فضلاً عن كشفها. وبعض الفقرات التي تسقط قد لا يمكن التعويض عنها. ولكن من المستطاع معرفة الأخطاء التي تحدث عفواً أو سهواً، بملاحظة الارتباك في المعنى أو الخلط في بعض الحروف والكلمات، ووضع أحرف أو كلمات مكان أخرى، أو تكرار بعض المقاطع أو تكرار بعض المقاطع أو كتابة مقاطع بعض الكلمات مرة واحدة بدلاً من مرتين، أو الخطأ في تقسيم بعض الكلمات أو بعض الجمل. وكل هذه الأنواع من الأخطاء والتغييرات في النصوص الأولى والتي تحدث سواء عفواً أو عن قصد، قد قام بها الناسخون في كل اللغات وفي جميع الأقطار وفي كل عصور التاريخ.
وعلى الباحث في حالة ضياع نسخة المؤلف الأولى مع بقاء نسخة واحدة منقولة عنها، أن يدرس هذه النسخة ويعرف كل خصائصها من ناحية الشكل واللفظ والمصطلحات والمعلومات التاريخية؛ ثم يدرس حياة المؤلف ومؤلفاته الأخرى إن وجدت ويلم بأشهر الكتاب المعاصرين الذين تناولوا نفس الموضوع الذي كتب عنه. وتطبيق هذه المعلومات على النسخة الوحيدة المنقولة يساعد في أحوال كثيرة على تحري نصها وعلى التثبيت من صحة ألفاظها. ولقد حقق الدكتور أسد رستم مثالاً يوضح هذه الحالة. فهو قد وجد أن عدداً كبيراً من الأصول الأولى لمناشير إبراهيم باشا في سوريا قد فقد، وإنه لم يبق منها إلا نسخة واحدة منقولة ومطبوعة؛ مثل المنشور الذي أصدره إلى متسلم دمشق في صفر ١٢٤٨هـ عن بعض حوادث اصطدامه بالعثمانيين والذي ورد في كتاب (مذكرات تاريخية بقلم أحد كتاب الحكومة الدمشقيين) ونشره الأب قسطنطين الباشا. ولاحظ الدكتور رستم أن بعض ألفاظه غير واضحة. فبحث طويلاً حتى وصل إلى سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس، وعثر على منشور أصدره إبراهيم باشا إلى متسلم طرابلس ويحتوي على نفس المعلومات التاريخية؛ وأمكنه أن يستنتج أن ناسخ منشور إبراهيم باشا إلى متسلم دمشق قد