الإسرائيليات خالصاً من هذه الروايات المتضاربة التي لا يعرف لها سند صحيح، ولا يقرها ذوق سليم وستنظر الجماعة في واجب الدفاع عن الدين، ورد المطاعن التي توجب إليه، والشبه التي تثار حول عقائده أو قواعده
وأول واجب في ذلك هو تبسيط العقائد، وتنقية علم الكلام ولو إلى حد ما من الفلسفة التي طغت عليه وعقدته وجعلته فوق مستوى العامة وكثير من الخاصة. ثم الرجوع إلى طريقة السلف الصالح في الإيمان بالغيب وما أستأثر الله بعلمه دون تدخل فيه أو تهجم عليه، فليس يضير المسلم ما دام مؤمناً بأصل الحساب والسؤال أن يلقي الله من غير أن يعلم بالتحديد: هل سترتفع الأرض بنصف الميت الأعلى ليجلس للسؤال أو ستنخفض بنصفه الأسفل. وليس يضيره أن يلقى الله جاهلاً بلغة الملائكة السائلين أهي السريانية أم غيرها، ولا بالموازين التي توزن بها أعمال الناس يوم القيامة: أمن حديد هي أم من نحاس؟ وهل لها كفتان تسع كلتاهما السماوات والأرض لو وضعت فيها أو هي على شكل آخر ما دام أصل الإيمان بالوزن والموازين كما ذكرها الله في القرآن موجوداً والاعتقاد به حاصلاً.
وستصدم الجماعة حين تقوم بواجبها في الدفاع عن الدين بفكرة التبشير، وستسلم - حين تدرسها عن كثب - بخطرها الشديد على ناشئة هذا الجيل والأجيال المقبلة، هذا الخطر الذي يسري في خبث وخفاء، كما تسري الصلال في رمال الصحراء، أو كما تسري الأمراض الخبيثة في الأجسام، هذا الخطر الذي يعتمد على الزمن، وعلى أخلاقنا الكريمة المتسامحة، وعلى تهاوننا في مدافعته، وعلى ثقتنا بمناعة هذا الدين وحصانته
سيلمسون بأنفسهم هذا الخطر، وسيقفن أمامه وجهاً لوجه، وسيرى الله عملهم ورسوله والمؤمنون، فإذا سوّغوا لأنفسهم أن يهادنوه أو يسكتوا عنه، أو يغمضوا عيناً على قذاه، مجاملة لهذا الرئيس أو مراعاة لهذا الحاكم، أو احتفاظاً بصداقة هذا الوزير، أو تسامحاً حين يكون التسامح تفريطاً لا يغتفر، فقد أضافوا إلي الخطر خطراً أشد، وقد أعانوا عدوهم على أنفسهم، ومكنوه من دينهم وعقائدهم، وبالله نستعيذ!
إن الإسلام دين حصين وإن له مناعة وقوة يستمدها من مبادئه الموافقة للعقول السليمة، والطبائع المستقيمة: ذلك حق لا مريه فيه، ولكننا إذا اغتررنا به، واستنمنا إليه لعبت بنا فنون الدعاوى وأثرت في شبابنا أفاعيلها الخلابة، وغررت بنا وسائلها الخادعة الفاتنة،