والحرية التي سمحت لجريدة إقليمية كبرى (كالمنشستر جارديان) بأن تنادي غير هيابة بالحقائق اللازمة لسلامة الكيان السياسي بأجمعه؛ والحرية التي أباحت لصحيفة التيمس عام ١٨٥٢ أن تلقى على رجال السياسة درساً قيماً عن وظيفة الصحافة الحرة في المجتمع الرشيد، لا يسعنا أن نقيدها جملة رجاء أن نتخلص من الخبيث الضار ونحن نعني بتنشئة الطيب النافع.
ولكن هل الحرية شيء محبوب لذاته عظيم في نفسه، حتى أنه يصبح لزاماً علينا أن نتحمل من أجلها ما هو أقل صلاحية وجودة من شؤوننا؟
إننا عندما ننعم النظر فيما للصحافة البريطانية اليوم من شأن وفيما قد يتهيأ لها من مستقبل تصادفنا تلك القضية القديمة وأعني بها ما لحرية من مكانة وقيمة، فإذا هي منها بمنزلة الأساس من البناء والأصل من الكائنات.
ولقد صار واجباً على جيل أن يحل مشكلات هذه القضية لنفسه. أو ليس يتفق مع طبيعة الحياة الإنسانية اتفاقاً كبيراً ما صاغه جوت صياغة ماهرة في عبارته الخالدة إذ قال:(إذا شئت أن تحتفظ بما ورثه لك آباؤك، فعليك أن تهيئ نفسك لأن تكون قادراً على استرداده والظفر به).
وعندي أن الحرية لا ترتبط ارتباطاً كلياً أو جوهريا بالحالات المادية أو بطرق الإنتاج الصناعي على الرغم مما يذهب إليه كارل ماركس في مذهبه.
وقد توجد علاقة دقيقة بين حق الفرد في أن يظفر بنصيب من الملكيات الخاصة وحقه في التمتع بحريته الإيجابية، إذ القضاء على جميع الملكيات الخاصة من شأنه كما يتوقع له وينتظر من مصيره أن يعتمد الأفراد اعتماداً تاماً على الدولة ينتهي بأولى الأمر فيها إلى حال لا يحتملون معها الأفعال أو الآراء التي لا يرحبون بها، ولا يسمحون للناس معها أن يتبرموا بها أو يلوموهم عليها. اللهم إلا معارضة سالبة صامتة تتردد في صدور البرمين بالأوامر العالية، وإن كانت الحرية المنشودة لجميع المقاصد الحيوية والأغراض العملية هي حرية الكائنات البشرية في أن تعبر عن وجودها وتفصح عن غايتها بالكلام أو الكتابة أو العمل في حدود القوانين التي هي نتاج التشريع الحر والقبول الطليق فإن الصمت