الإجباري وكم الأفواه لا يختلف كثيراً عن إلقاء العقول في غياهب السجون.
والصحافة، وحق الرأي العام في الإفصاح والتعبير وعقد الاجتماعات والنظم النيابية. وسائر المميزات الأخرى للنظام الديمقراطي كل أولئك يحمل معنى الحرية لأنه سبيل المجتمع إلى التعبير الحر والرأي الطليق، وهيهات أن يتهيأ للشعب أن يظفر بحريته بمعناها السياسي ما لم يكن له الحق في النقد والمعارضة. ويندر أن تطمئن عقول الرجال لأسس الحياة وتقبلها قبولاً حسناً ما لم تمتحن هذه الأسس بأذى يهددها أو قوى تنكرها أو تتجاهلها. ولعله بسبب ما يتهدد الحريات الأساسية الآن من عبث العابثين واضطهاد المضطهدين، أو من إنكارهم عليها في مثل هذه المساحات المترامية الأطراف من أوربا والعالم، أن يكون لها قيمة وشأن، أن انصرفت الرغبة أخيراً للتفكير في تلك الأسس. ولتقصي مصادر تلك المذاهب التي بلغت من نفوس أجدادنا ما تبلغه العقيدة الصادقة والإيمان المتين، ولمعرفة ما إذا كان يجب أن تصبح تلك العقائد محلاً للجدل أو هدفاً للانقلاب الاجتماعي وهي العقائد التي قاسى الناس الأهوال في سبيلها ولم تستقر في نفوسهم إلا بعد كفاح أجيال متعاقبة، سأذكر هنا النتائج التي انتهى تفكيري إليها بعد إعمال الفكر في هذه المسائل وفي الكثير من نظائرها وتقصي ما لها من شأن وقيمة، وسوف يتضح من أمرها أنها تمت بصلة وثيقة لمستقبل الصحافة.
إنه لم يكن بالأمر العارض في إيطاليا وألمانيا - وفيهما اختفت الحرية وباتت الصحافة مجرد آلة للدعاية القومية أو الدعاية الخارجية، أن ينادي بالحكومة التي تخدمها تلك الصحافة (كحكومة استبدادية) وأي بحث قائم على التفكير السليم فيما للحرية من قيمة يحملنا فوراً على أن نمحص الحوار القائم بين (السلطان المطلق) و (السلطان النسبي) وينتهي بنا عاجلاً أو آجلاً لأن نقرر أن قوام الحرية العالية هو الإنكار الدائم للسلطان المطلق سواء أكان عقلياً أو روحياً أو سياسياً، وأنها نتاج التجارب المستمرة التي تتهيأ لعقولنا ومشاعرنا، وأنها ثمرة الاتجاه المتواصل لعلاقاتنا وقيودنا الاجتماعية نحو المثل العليا.
والقيود التي تحد من حريتنا في التصرف الآن ترجع إلى القوانين أو الالتزامات التعاقدية، أو إلى عادات المجتمع الذي نرتبط به. والحرية التي ننعم بها الآن هي (شرطية) كما