للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعبرون عنها في الاصطلاح السياسي، بمعنى أنه يجب ألا تتعارض مع سلامة المجموع الذي تملك تغيير زمام هذه الحرية وتنعم بجناها. وهذه الحرية لا تمت بصلة إلى الحرية الصورية التي صورها (روبنسن كروزو) على رفعة جزيرته. تلك الجزيرة التي لم يسكنها إنسان قبل أن يبعث فيها إنسانه (فرايداى) إذ بوصول هذا الرجل إليها بدأت تدب فيها عناصر البيئة التعاونية وأسس الهيئة الاجتماعية. وعلى ضوء هذه الاعتبارات جميعاً غدت حريتنا الاجتماعية أو السياسية وهي ليست بالحرية المطلقة. وكلما قدر للمجتمع أن يتجاوز حالته البدائية تجاوزاً نسبياً تلك الحالة التي قد ينعم فيها كل رجل بحرية واسعة المدى يستمد معها قانونه من مشيئته كلما صارت حرية أفراده وهي أكثر اتصالاً وأشد تقيداً بحرية الآخرين. وهي أيضاً أقل إطلاقاً وأكثر خضوعاً للأوضاع والقيود الاجتماعية. ويسعنا أن ندعو هذه الحرية المقيدة (بالحرية الواقعية) ما خضعت لتلك القيود الأجنبية لتلك القيود الأجنبية عنا، والمستقلة عما لأشخاصنا من رغبة أو كراهية؛ كما تتقيد حريتنا بقيود أخرى يسعنا أن نسميها (بالقيود المعنوية) ومثل هذه القيود إذ نألفها ونهيئ أنفسنا لأن نسكن إليها، يخف حملها ولا يشق علينا أمرها. فلا نشعر معها بشيء يقيد حريتنا. لأننا في الواقع لا نتأذى مما يقيد حريتنا من الناحيتين الاجتماعية والمادية لمجرد أنه تقيد لحريتنا فحسب، بل نتأذى به إذا ما أحسسنا بثقله وضقنا به ذرعاً، فنحن بعبارة أخرى نتأثر بقيود حريتنا (المعنوية) أكثر مما نتأثر بضوابط (حريتنا الواقعية) التي لا يشق علينا شيء من أمرها حتى أحسسنا أنه ما من شيء يدعونا للثورة على القوانين أو للتمرد على العادات والنظم؛ وشأننا في ذلك كشأننا مع قوانين الجاذبية من ناموس الطبيعة التي إذا ألفناها لا نجد من سبب للثورة عليها.

ولكننا مع ذلك بحاجة لأن نكون على حذر من أمرنا قبل أن نقبل أسس الحرية التي نساق لها أو تساق إلينا، ولا سيما إذا كانت تلك الأسس من ذوات الطابع (المعنوي) وإلا انتهت قيود حريتنا بأن تستبد بنا استبداداً واسع المدى بالغ الأثر. فننتهي معها إلى أن نصبح عاجزين عن الاحتفاظ بحريتنا في التفكير أو القول أو العمل. وآنئذ نفتقد عقائدنا وبالتالي إرادتنا في مقاومة التدخل في شئون حريتنا الواقعية. ويكون من أمرنا أن نتساهل فيما لا يجمل التساهل فيه، وأن نستبيح في حق أنفسنا أن تخوف بالاستبداد المنظم الذي يشق

<<  <  ج:
ص:  >  >>