بالمحافظة لمقاومة عوامل هدم العش، وفي فكرة بالتدبير للاقتناء والتوريث. . .!
أما إذا ظل متفرداً حتى جاء أوان الإدراك الكلي، وحان بلوغ الأشد، فسيموت في نفسه الخوف من الحياة والحب لها، وحب الارتباط بالواقع. . . وسيكفى التدبير والعمل للاقتناء والتوريث، وسيستمر حتى يخلص فكراً طليقاً بعيداً عن قيود الأجسام وضرورات الأرض، ويكون قلبه وكراً لساكنات غريبات من الأفكار والأوهام، كما يكون الركن الحرب مسكناً لطيور وحشرات لا تحبها الحياة، ولا تحب هي نور الحياة. . .!
لن يجدي الإنسان شيئاً أنه يقف على ملء يديه بالأضواء والرياح والمياه، وما لا قبض عليه ولا محصول يدوم منه إلا صوراً بيانية في ورقات جافة. . .
إن الحياة هي كلمة الله النافذة إلى القلوب، لا يحسها إلا من يحملها بأعبائها، ثم يحاول أن يسلمها لغيره. . . وقد أودعها الله قلب آدم، (فجعلها كلمة باقية في عقبة إلى يوم يرجعون. . .)
إنها كلمة السر! من لا يعرفها لا يستطيع أن يسير في المسالك والدروب التي طرقتها أرجل القافلة منذ فجر الحياة إلى يوم الناس هذا. . .
كثير من المتطلعن المتوسمين لما يولد في الكون من عجائب يحبون أن يروا مخدوعاً شاذاً يأتي إليهم بطبائع غريبة وألوان مستحدثة من الحياة والتفكير. ومن هنا كان إعجابهم بأمثال (أبي العلاء) و (نيتشه) و (شوبنهاور) وغيرهم من المتشائمين المتشككين الذين أبوا أن يمدوا أيديهم إلا الحنظل والأشواك ويتركوا ما في الحياة من تفاح وأزهار. ومنشأ إعجابهم بأمثال هؤلاء أنهم يحبون أن يروا الشذوذ ليدركوا منه القاعدة العامة التي تنتظر حياتهم.
إنهم يحبون أن يروا الضحايا المصلوبين ليتخذوا منهم مادة لأقوالهم وخيالهم وتأملاتهم.
وكثيراً ما يخدع الشباب المفتون بهذه الحياة الشاعرة الحادة المتشائمة المنطلقة من قيود الأرض التي لفتت النقاد والمتكلمين ودعتهم إلى التحليل وإضفاء النعوت والألقاب وضفر أكاليل الغار ونثر الأزهار. فيحب أولئك الشبان الشعراء أن يحوزا مثل تلك الشهرة ولو أصابتهم أوجاع المصلوبين والمحرومين. . .
ولكن ما جدوى الشهرة وأكاليل النار على من أقفر قلبه من بشاشات الحياة؟ وعلى من رأى الحياة عبئاً ثقيلاً يود الفرار منه ولو إلى جهنم؟