بلا مواربة ولا رياغ، وهل من الحتم أن نعلن الحقيقة بعنف، ونحن تملك إعلانها برفق؟ سأقول كل شئ في محمود تيمور بدون أن أعرضه للضجر والامتعاض، إلا أن يغضب من الحق، كما يقع لبعض الناس فمن محمود تيمور؟
هو شخصية ساهية لا ينم مظهرها على شئ، إلا بعد التأمل والتدقيق، كأن يذكر المتوسم أنه كاتب معروف، ولابد أن تنطق معارف وجهه بأشياء، وفي الناس من لا ينطق إلا إن أنطقناه بالعنف أو باللين.
وعند التفرس في وجه محمود تيمور نرى أنه (وَلدٌ واعي) كما تقول العبارة البلدية، وهو في الواقع غاية في الوعي. وسحنته الساهية تؤيد المثل الذي يقول (تحت السواهي دواهي)، وهذا أجمل ثناء يقدم إلى هذا الرجل الحصيف.
والدليل على أن محمود تيمور داهية هو إقباله على فنه الأدبي بطريقة جدية من حي لا يشعر أحد بأنه من أصحاب الأهداف، فمنذ أكثر من عشرين سنة وهو يفكر ويكتب بنظام لا يعرف الملال، وقد يتفق له في أحيان كثيرة أن يهيم في شوارع القاهرة بلا غرض ظاهر، فهل يصنع هذا الصنع إلا ليستوحي القاهرة ويتعرف إلى شمائل الناس في الغدو والرواح؟ الرأي عندي أن ذلك هو حاله في جميع ما عرف من البلاد، فأقاصيصه تشهد بأنه ينقل عن عيان لا عن سماع.
ويحدثك ناس أنهم زاروا محمود تيمور وسامروه، وأنهم سألوه عن كيت فأجابهم بذيت، وتنظر فتجد بعض أولئك من ذوي الغفلة العقلية، فما غاية هذا الرجل من الترحيب بأمثال أولئك الناس؟ ما غاينه وأكثرهم يتوهمون أنه تلميذهم المطيع، وأنه سيمنحهم نعمة الخلود في ظلال العقل، لا في حظائر الخبال؟
محمود تيمور له غاية من صحبة من لا يمتون إليه بصلة نفسية أو ذوقية، وغايته هي درس الغرائز والأحاسيس فيمن يلقي من الناس، ولو كانوا من الأوشاب.
ألم أقل لكم إن تشريح أجسام الضفادع لا يقل قيمة في نظر العلم عن تشريح أجساد الأسود؟
ولكن هذا الدهاء لم يمض بلا جزاء، فاهتمام تيمور بدرس النفوس الصغيرة حرمه نعمة التحليق في الجِواء السامية، فمن النادر أن نراه يلتفت إلى المخاطر التي تصاول كبار النفوس.