وقَمست فيه أي غاصت (والقَمس الغوص ومنه القاموس الذي معناه البحر!) وبعد هينهة تفقدت الأميرة سلحفاتها فلم تجدها وتيقنت أنها قمست في البحر. فنادت جواريها ليساعدنها في نزف ماء البحر واسترداد الغيلمة الآبقة، فجعلت وجعلن يغترفن ماء البحر بأكفهن ويصيبنه على رمل الساحل. وكانت الأميرة كلما آنست من جواريها فتوراً وضجراً حمستهن قائلة (نزافِ نزافِ، لم يبق غير قُذافِ) ونزاف اسم فعل أمر بمعنى أنزف، والنزف أن تنزح ماء البئر أو الحوض كله. أما معنى قداف فالغرفة الواحدة توهمن أنهن قاربن الانتهاء.
(دمشق)
صلاح الدين المنجد
تحرز مفسر عن التكفير في رأي خطير:
يجازف كثير من الناس في هذه الأيام بتفكير أصحاب الآراء الجديدة في الدين، ولا يكتفون بتخطئتها، وترك عقيدة أصحابها لمن هو أدرى بها منهم، ونحن نسوق لهم هذا المثل من تفسير غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري، ليعرفوا كيف كان سلفنا الصالح يقابل الآراء الجديدة بالهدوء اللائق بكرامة العلم، ويحاول ردها في لين ورفق، فلا يقم في ذلك مناحة باسم الدين، ولا يجازف بالتكفير والتضليل كما نجازف اليوم. وقد جاء هذا الرأي الخطير في تفسير الآيات الواردة في قصة داود وسليمان من سورة سبأ، وفيها ذكر تسخير الجبال وتسبيخها مع داود، وتسخير الرياح والشياطين لابنه سليمان، وكذلك إلانة الحديد وإسالة القطر، فقال النيسابوري: زعم بعض المتحذلقين أن المراد من تسخير الجبال وتسبيحها مع داود أنها كانت تسبح كما يسبح كل شئ بحمده، وكان هو عليه السلام يفقه تسبيحها فيسبح، والمراد من تسخير الريح أنه راض الخيل وهي كالريح، والمراد من إلانة الحديد وإسالة القطر أنهم استخرجوا الحديد والنحاس بالنار واستعمال آلاتها، والمراد بالشياطين ناس أقوياء ولا يخفي ضعف هذه التأويلات، فإن قدرة الله في باب خوارق العادات أكبر وأكمل من أن تحتاج إلى هذه التكلفات.
فالجمهور يرى هذه الأشياء أنها كانت معجزات لداود وسليمان عليهما السلام، ويفهمها على