كم ظل محدقاً ببصره في الحقول النائية كم ظل مصيخاً بسمعه إلى هجعة الطبيعة وسكنة المساء. . .
قال بصوت مرتفع (كيف يمكن ذلك؟!) كل شيء سيبقى على حاله. الشمس تشرق. الفلاحون يخرجون إلى الحقول حاملين على أكتافهم محاريثهم عاليها سافلها، وسوف لا أرى من ذلك شيئاً - وليس هذا فحسب، بل ولن أكون في هذا المكان أبداً ولو مرت ألوف السنين، لن أعود إلى الدنيا مرة أخرى، لن أجلس جلستي هذه على هذه الرابية. .
ترى كم من السنين كان الرجل الذي أمامه الآنشيئا خطيراً - بارزاً. . . لقد كان ذات مرة صبياً صغيرا - وكان شاباً يافعاً - ثم هو في يوم قائظ لافح من أيام الصيف قصد بعربته الصغيرة إلى الانتخابات. . . ماراً من طريق عريض رحب
ما اعرض ذلك الطريق!. . .
ابتسم الكابتن ايفانيش إلى نفسه من أفكاره التي تتواثب من شيء إلى آخر.
لكن ذلك كله كان منذ زمن بعيد. . . ممعن في البعد. . . كذلك.
أواه! ماذا يرى الآن أمامه يا لهول ما يرى! قد بلغ زمنا هو كما يقول الناس يصل فيه كل شيء نهايته، سبعون، ثمانون عاماً لا يقدر الإنسان أن يعمر أكثر من هذا - ما هي الحياة البشرية - طويلة كانت أم قصيرة
قال في نفسه:(إن حياتي طويلة على كل حال)
هناك في ظلمة السماء أضاءت نجمة وخرت إلى الأرض. رفع عينيه الحزينتين الكليلتين، وظل يحدق في السماء. وفيما هو يرسل بنظراته في أعماق تلك اللانهاية المظلمة الهادئة الزاخرة بالكواكب، تنهد الصعداء وشعر بالحزن يذهب عن نفسه، لقد عاش هادئاً مطمئناً وسيموت هادئاً مطمئناً. كالورقة في تلك الأيكة تجف وتسقط متى يحين أوانها، إيه، لكل أجل كتاب.
لا تكاد الحقول المترامية ترى في ظلمة الليل الحالكة. اشتدت الظلمة وزاد لآلاء النجوم. وبين الفينة والفينة تسمع صيحات السماني، وأخذت تنبعث من العشب الندي رائحة