تلك القبة السماوية الصاحية السلسبيل الزاخرة بالكواكب كان غارقا في سبات عميق. . . ليالي إبريل مظلمة دافئة من البستان كانت تفوح رائحة الكرز المزهر. والضفادع تنق وسنانة في البرك - فتبعث بموسيقى ضعيفة هزيلة من النوع الذي يسمع عادة في آخر هزيع من ليالي الربيع عندما يدنو الصباح. ظل زمناً طويلاً قبل أن يعقد أجفانه الكرى، استلقى في نومة عميقة فوق الحلفاء في الكوخ بالبستان. قد لبث ساعات يمشي الهوينى على سراب جار تحول من بعد إلى سحابة بيضاء شفافة متألقة من الأحلام البعيدة النائية. ولكن هناك جاءت من بركة ليست في الحسبان بعد حين صيحة مالك الحزين - كأنها لغز أو سحر، والظلام الحالك - الظلام الذي ضرببجرانه فيطرقات البستان الضيقة هو أيضاً بدا كاللغز أو السحر. وبعد ذلك، قبيل الفجر فتح عينيه واستنشق ملأ رئتيه نسمات البستان الندية الباردة المحملة بالعطر. ومن خلال الكوة المفتوحة قليلاً أطلت عليه نجوم الصباح اللامعة مضطربة قلقة. استفاق الكابتن إيفانيش من هواجسه واستوى قائماً. وراح يطوي أرجاء الدار ترجع الجدر أصداء خطواته، وينحني بلاط الغرفة هنا وهناك تحت قدميه مرسلاً صوتاً متزناً كأنما هو يئن تحت وطئهما أنين الألم.
(ثمانون عاماً عمر هذه الدار) قال في نفسه (لأستدعين الفعلة في الخريف سيكون البرد فيها في الشتاء المقبل قارساً لا يطاق). وفيما كان يتمشى جيئة وذهاباً كان يشعر إنه أضحى الآن أعجف سمجاً - هو طويل نحيل منحني بعض الشيء. ظل كذلك يجيء ويغدو ثم رفع حاجبيه وهز رأسه وغنى الغناء (البولوني). أحس إنه يرقب خطواته الخاصة - ينظر إلى نفسه - فقدم نفسه إلى نفسه على إنها رجل آخر يهيم في أرجاء الدار - رجل حزين قد أمضه الحزن وأرمضتقلبه الكلوم. حمل كنانته وخرج من الدار.
كان الضوء خارج الدار أكثر من داخلها، ولا يزال ضوء الغروب الشاحب الذي توارى خلف القرية يرسل على مزارعها بصيصاً ضئيلاً باهتاً. وبخطوات ثقيلة مرتبكة جاز رقعة من الأرض مفروشة بفراش من القراص انتهى منها إلى رابية وقف عندها. وبعد أن أشعل غليونه وقف على صخرة هناك ثم قال في نفسه (أراني جالساً كالبوم على سفح الجبل) وسيقول الفلاحون عني هناك. . . إن الشيخ لا عمل له. . . نعم لقد أمسيت عجوزاً (ألم تبت (أنا). . . حتى لكأنها لم