وبعد أيام تلطف فأهدى إليّ ما طبع من الجزء الأول مصححاً بخطه الجميل، لأكتب في تقديمه ما أريد
ورجعت إلى نفسي فتذكرت إن المقدمات يلتزم فيها الترفق، وذلك ما يجمل بكاتب مشغول بالنقد الأدبي مع شاعر لا يزال في الميدان، وأسرعت فكتبت إليه خطاباً قلت فيه: أني لا أستطيع كتابة المقدمة التي ينتظرها أمير الشعراء، لأني أخشى أن أقول فيها كلاماً يصدني عن نقده إن رأيت في أشعاره المقبلة ما يوجب الانتقاد، وهو - بارك الله في عمره - لا يكف عن مساورة الشعر والخيال صباح أو مساء
وفي عصرية اليوم الذي كتبت فيه ذلك الخطاب قابلت الدكتور طه حسين وأخبرته بما وقع، فغضب أشد الغضب وقال:(ليتك استشرتني قبل أن تصنع ما صنعت! ألا تعرف انك أضعت على نفسك فرصة من فرص التشريف؟ لو طلب (شوقي) مني ما طلب منك - وأنا خصمه - لأستجيب بلا تردد، فشوقي في رأيي هو أعظم شاعر عرفته اللغة العربية بعد المتنبي)
وبعد شهور طوال ظهر الجزء الأول من (الشوقيات)، وبه مقدمة الدكتور هيكل، ونادى المنادي بوجوب الاحتفال بتكريم أمير الشعراء احتفالاً يشترك فيه من يستطيع من أدباء الأمم العربية، وبرعاية الزعيم سعد زغلول
ثم يقام الحفل الحافل بدار الأوبرا الملكية في التاسع والعشرين من نيسان سنة ١٩٢٧، ويقول الشعراء والخطباء في (شوقي) ما يقولون في إطناب وإسهاب
ويلتفت الدكتور هيكل كاتب مقدمة (الشوقيات) فيرى من الواجب إصدار عدد خاص من (السياسة الأسبوعية) لتكريم (شوقي)، ويدعى للاشتراك في تحرير ذلك العدد الخاص رجال كان فيهم كاتب هذا الحديث. ويرى (شوقي) من حقه أن ينظر قي محتويات ذلك العدد فيشير بحذف مقالات كان منها مقال. . . ألم أستكبر عليه فارفض كتابة مقدمة (للشوقيات)؟!
كانت (للسياسة الأسبوعية) في تلك الأيام توجه التيار الأدبي في مصر وفي سائر البلاد العربية، وكان إصدار عدد خاص عن شاعر من مثل تلك المجلة يعد تزكية أدبية تفوق الوصف؛ ولكن (شوقي) لم يرتح كل الارتياح إلى ذلك العدد الخاص، فقد ظهرت فيه