هذه منارة تدل على مسجد، فأين من يذكر أن مساجد الصعيد كانت لها أياد في حفظ العلوم الإسلامية؟
وذلك فلاح يناجي الأرض مناجاة الحبيب للحبيب، فأين من يذكر أن الفلاح المصري قد يكون أخوف الناس من الله، ثم لا تمنعه تقواه من انتهاب شبر أو فتر من أرض الجيران؟
وهل يستطيع أحد أن يقنع الفلاح المصري بأن الجنة أجمل من أرضه الغالية؟
ذنبك مغفور - أيها الفلاح - فأعص الله كيف شئت في انتهاب أرض جيرانك، فذلك شاهد بأنك تقدر نعمة الله على أهل هذه البلاد!
ثم ماذا؟ ثم اذكر أن هذا الكلام يخرج عن موضوع هذا المقال، وأني سأصل إلى (المنية) بعد لحظات، وأن التمادي في الثرثرة أمر غير مقبول!
وما ذنبي إذا فتنتني بلادي؟
أمِن الإثم هُتافي بالجمال ... في بلادٍ كلُّ ما فيها جميلْ
لو بعيني نظر اللاحي وجال ... لرأى الفتنة في كل سبيل
حار الناس في تعليل التفاوت بين شوقي وحافظ، لعرفانهم بأن حافظ كان أذكى من شوقي بمراحل طوال، فهل آن لهم آن لهم أن يعرفوا أن شوقي تقدم لأنه كان من أكابر المُلاّك في هذه البلاد، وأن حافظ تخلف لأنه بشهادة نفسه لم يملك من أرض مصر نصف فدان؟
ما أنا وهذا الكلام؟ هذه ثرثرة لا تليق برجل منَّ الله عليه بركوب قطار الصعيد، وهو قطار يساير نهراً بين جبلين، وتلك حال توحى بإعزاز السرعة والقسوة واللين، ومن هذه العناصر الثلاثة يتكون جسر الخلاص؟
أحبك - يا وطني - أحبك أحبك بأعظم مما أحبك مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول
أحبك - يا وطني - وأستعذب عذابي فيك، لأنك في عيني وقلبي غاية في روعة الجمال
لم يعان أحدُ من الظلم في وطنه مثل ما عانيت، فما زادني ذلك الظلم الأثيم إلا عرفاناً بجمال وطني. وهل رأيتم جميلاً غير ظلام؟؟
(قطار الصعيد في ١٧١٢٤١)
زكي مبارك