للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الموجبة عدم إقامة حدود الله بحيث يفوت الغرض المقصود من الزواج وينقلب مضره. فالناس مفطورون على التمايز والاختلاف في وجوه الرأي، ومجهولون على الحب والبغض. والزواج قبل كل شئ هو اندماج رجل وامرأة اندماجاً كلياً بقصد التعاون على الحياة. ولما كان من المستحيل أن يندمج كل رجل مع كل امرأة، كما أنه ليس من الميسور أن يتعرف كل رجل على المرأة التي تناسبه، فقد جعل الطلاق والخلع فرصة لكل زوجين إن ينفصلا عندما يكون الانفصال أمراً لازماً حتى لا يتحرجا في الوقوع من المحظور، فضلاً عما تجلبه العشرة الإجبارية من شقاء وعذاب لا حد لهما. والزواج عقد يجب أن تصان به حرية المتعاقدين الكاملة في الإنشاء والإلغاء مع تقييدها بما لا يخرج عن دائرة المنفعة. فإلزام زوجين متباغضين استحكمت بينهما حلقات النفور الموجع قد يكون، من الوجهة الاجتماعية والإنسانية والخلقية، نكبة أكبر من نكبة السماح لهما بالفراق.

ولكن لما كان الطلاق في حد ذاته مع فائدته ومشروعيته آثار عنيفة، فقد رتبت الشريعة الإسلامية ما يخفف من حدة هذا الضرر فضلاً عن تزهيدها الناس في استعمال هذا الحق، حتى لا يساء استغلاله وتفوت حكمته. فقد شرط لإباحة الطلاق قيام الحكمة التي دعت إلى تشريعه، فإذا لم تقم كان إيقاع الطلاق محرماً شرعاً. قال الله سبحانه وتعالى: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا): أي فلا تطلبوا الفراق؛ وقال الرسول: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)؛ وقال: (لعن الله كل ذوَّاق مِطلاق). ويقاس على الطلاق الخلع الذي أبيح للزوجة بمقتضاه أن تفتدي بنفسها عندما لا تجد في الزواج ما كانت تنشده، فتشعر بالحرج في البقاء مع زوجها، ويستخلص بعض الفقهاء من ذلك كله أن الأصل في الطلاق الحظر والإباحة، استثناء زيادةً في تقييده وتضييق حدوده.

وليس أصدق شاهد على ضرورة الترخيص للزوجين بالطلاق أو فصم عري الزوجية عند اللزوم من مخلفة غير المسلمين لشرائعهم، وتحايلهم على نصوصها فيما يختص بتحريم الطلاق!

ثم أن الشريعة الإسلامية قد جعلت الطلاق آخر حل ينتهي إليه الزوجان، فقد أشار الله تعالى بالتحكيم بين الزوجين فيما يقع بينهما من الشقاق، حتى إذا لم يفد ذلك، كان الطلاق على يد جماعة من أهله وجماعة من أهلها؛ وفي ذلك نزلت الآية الكريمة: (وإن خفتم شقاق

<<  <  ج:
ص:  >  >>