والهيئات الاجتماعية الحرة الني ظفرت من حريتها بقسط كبير تنادي به صحافتها، ويجري على ألسنة جماهيرها في الطرق العامة، ويفصح عنه من يمثلها من نوابها تحت قبة دار النيابة بوسعها وقتما يكون الصالح العام بحاجة إلى تعديل الأساليب أو تغيير النظم أن تتخلص من حكامها وتغير قوانينها من غير أن تحدث حدثاً خطيراً أو توقدها ثورة شعواء. بينما نرى الأمر في الأمم الاستبدادية وهو يجري على غير هذا الوجه إذ لا يتيسر لها تغيير النظم وإصلاح المناهج إلا إذا تمرد الشعب على حكامه، فاشتعلت فيها نيران الثورة. ووثبت القوة الناقمة لمناهضة القوة الغاشمة.
وقد يتهيأ للنظم الاستبدادية في وقت ما وفي ظروف استثنائية خاصة تمليها الضرورة القاهرة أن تكون أكثر نفوذاً وأوفر كفاية من النظم الديمقراطية. إلا إن مثل هذا الفضل الموقوت لا يقتضي حتماً إن الديمقراطيات التي تضطلع شعوبها بشئونها العامة، وتوجهها صحافة يقضه جريئة سوف تضل دائماً وهي أقل كفاية واستبداداً من النظم الاستبدادية
ولا زال الحق الذي لا مريه فيه شاهد عدل على إن ما يتقيد به السلطان في الأمم الديمقراطية من قيود، وما يستنفذه من وقت بين الاعتراف بما يجب أن يكون والقيام به فعلاً عندما تنادي المصلحة العامة بوجوب التعديل أو التبديل هو من قبيل التعمق في التقوى والتحرز من أهوال الطفرة ونكبات الانقلاب
وما زال قيد النظر ومحك التجارب حتى في المسائل المتعلقة بالحياة أو الموت، كالحروب مثلاً ما إذا كانت الديمقراطيات الحرة كنظم سياسة أقل شأناً من تلك الجماعات التي تتنزل عليها الأوامر من عروش قادتها. ومع ذلك ما كانت الديمقراطيات هي الخاسرة في الحرب العظمى الماضية، ولو أن حاجتها الخطيرة إلى انسجام الرأي ووحدة القيادة في تلك الأوقات العصيبة كان من شأنها أن تنتهي بها إلى مصير موجع فاجع يفقدها أمنها وسلامها ويوردها موارد الهلاك
وعندي انهم من ممكن صياغة جميع المسائل المتعلقة بقيمة الحرية في أسئلة ثلاثة:
هل الشخصية الحرة كعنصر من عناصر الحياة البشرية أنبه شأناً وأنفس قيمة من تلك الشخصية التي تنطبع وتتشكل وفقاً لمشيئة القائد الأعلى الحاكم بأمره في مصادر وموارد الدولة الاستبدادية المطلقة؟ وهل يتوقع لإرادة الفرد الحرة أن تخطو بمصالح البشر إلى