للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمام أكثر مما يتوقع لأرادته التي تشب عليها من المهد إلى اللحد على نهج موضوع يصيرها خاضعة لكلمة القيادة العليا خضوعاً غبياً، ومطيعة لأوامر الزعامة طاعة عمياء؟

أو ليس هنالك من ضرر يتهدد الجنس البشري ومن خطر على تقدم المعارف أو انتشار الثقافة ومن خوف على كل شئ نفهمه عن طريق (المدنية) بنشوء هذه الجماعات الغفيرة التي تسير في مناهجها على نمط واحد وتجري في تفكيرها على أسلوب واحد وتنطلق خائفة مذعورة كقطيع من الغنم أمام راعيها؟

وما زال رهن الدراسة وقيد البحث منذ زمن بعيد ما إذا كان عقل الفرد كعنصر من عناصر كيان الحياة البشرية وتوفير الحرية له في التفكير والاستنتاج وتكوين الرأي أغلى قيمة وأكثر نفعاً من عقل هذا الخليط من الكائنات البشرية أو ما يسميه هتلر (بوحدة القطيع)، وعنده أن اتحاد الشعوب البريطانية في الحرب العظمى الماضية كان نتيجة طبيعة لما امتازت به من (وحدة عقلية)، وإن ما صادفته ألمانيا من الفشل في تلك الحرب كان جزاء وفاقاً لشتات الآراء وتقلب الأهواء في الشعوب الألمانية. وغالب أمره أنه لم يفهم إن ما نعمنا به آنئذ من انسجام العقلية كان جني تعاون أعضاء الجماعات الحرة تعاوناً صادقاً للذود عن حياضهم ولإنقاذ حريتهم وقتما ادلهمت الحروب ودق ناقوس الخطر؛ أو أنه لم يدرك أن هؤلاء المواطنين الأحرار قد تخلو عند الشدائد وبمحض أرادتهم عن حقوق كانت صعبة المنال غالية الثمن فكانت أثيرة عندهم عزيزة عليهم، وصدروا في ذهابهم عنها أو ذهابها عنهم عن وجدان سليم وشعور طليق من تكريس حياتهم للصالح العام، وهو شعور كريم لا يتغلغل إلا في نفوس أفراد مارسوا مسائل الحرية مراساً حكيماً وطالت خبرتهم بها فألفوا الاضطلاع بمسؤولياتها. ولقد كان من نتيجة هذا الفهم الخاطئ أن شرع هتلر شريعته عن وحدة عقلية العشائر الألمانية على نهج من الطغيان والاستبداد؛ إذ فرضها على الجماعات جبراً وحملهم عليها بالدعاية تارة وبمجرد الإرهاب تارة أخرى، ظناً منه أن مثل هذا النهج قد ينهض بديلاً عن الانسجام الحر والتعاون الطليق في الشعوب الحرة

وشريعة هتلر هذه لم تكن في مناحيها الحربية والسياسية بأجنبية عن جبلة الشعب الألماني، فهي على استعداد لأن تخضع لسلطان النظام وتتحرك في كتل بشرية مرسومة. وليس في

<<  <  ج:
ص:  >  >>