سامياً في ثقافته إلى المستوى الذهني الذي أصدر عنه الكاتب أو الشاعر عمله الأدبي الرفيع، وصدق القائل:
وكم من عائب قولاً صحيحاً ... وآفته من الفهم السقيم
وإن النقد كما أنه تنبيه منزه عن السقوط إلى ما يتضمنه العمل الأدبي من مفاتن ومقابح، فهو تفسير وإيضاح لما يسجله المؤلف مجملاً أو مركزاً، وقد تقيد بقيود الوضع الشكلي الذي تفرضه صياغة القصيد أو القصة أو المسرحية، وأخذ بأسباب شرائط فنية قد توجب الإغراب قصداً، وقد تحتم التلويح بدلاً من التصريح في مواقف، والعكس بالعكس في مواقف أخرى، وقد تقضي بالإيجاز الذي يضني القارئ في ناحية، لتنهكه مرة أخرى في تنقل وثبي جريء، تدفعه من فكرة إلى فكرة، ومن خيال إلى خيال، من غير تمهيد يستطيع كل قارئ معه أن يجد الرابطة بين كل هذا.
وهناك شيء آخر جدير بالاعتبار يتصل بالمؤلف نفسه مباشرة، وذلك أن النقد إذا صح أنه إيضاح وتبيين فوق تبين، ييسر لكل قارئ استبطان دخائل العمل الأدبي الذي يقرؤه، ويبصره بمواطن الفتنة والسمو والقبح والإسفاف فيه، فهو أيضاً تسجيل وتحليل لطرائق المؤلف واتجاهاته في الأسلوب والصياغة والفكر؛ وهو أيضاً تقدير لمبلغ توفيقه في كل هذا، لأن المؤلف الموهوب قد يصدر كثيراً فيما يكتب عن وحي الساعة وقد لبسته حال من اللاوعي، فهو لا يخضع كل سانحاته وطوارقه الذهنية إلى مقاييس الفن ومعايير البيان. إنه يرتجل أحياناً وهو يدري ولا يدري بعد أن تهيأت نفسه للخلق والإبداع، وفي تسجيل هذا من جانب الناقد تبصير جديد للقارئ وإقرار صحيح لمنازل الكتاب من حيث القيم الأدبية الفنية.
وفيما نحن بصدده في مسرحيات تيمور - وقد نحا في التأليف والتحليل النفسي نحواً يقضي بتسجيل النتائج والأعمال التي يأتيها أبطال مسرحياته من غير أن يعني بتبيين البواعث والدوافع، وذلك باعتبار أنها أعمال تبدو من العقل الباطن ولا يستطيع العقل الظاهر تعليلها وتفسيرها - لا مناص من أن تكون مهمتنا الأولى إيضاح هذه البواعث التي أدت إلى النتائج، ولا يخفى أن أعمال الناس تفسر بالبواعث والدوافع قبل أن تفسر بالنتائج والغايات.