إلا قناعاً. وقد قال ناقد فيه:(إنه قلم ذو حنان) وهو في قصصه ينبوع فياض، لا ينفذ له موضوع، ولا يغتر له تحليل برغم بساطته. وهو لا يُعنى بالإسهاب الكثير، والاستطراد البعيد، لأنه يكفيه أن يطرق الجانب الحي من الموضوع.
جرب تشيكوف الكتابة المسرحية، وله منها القوى المتين، ومن ذلك مسرحية (الأخوات الثلاثة). هؤلاء كن يقضين حياتهم في بلدة حقيرة تبعث على السأم، خالية من الرجال اللامعين، وليس فيها إلا من تشابهت وجوههم، وتشاكلت نفوسهم، كأنهم نسخة واحدة تكررت نسخاً. وكان حل هؤلاء السفر إلى موسكو، لكن بلادتهن قضت عليهن بالبقاء، فليتهن يتناقشن ويتجادلن متفلسفات في مواضيعهن. وقد اتفق أن نزل المدينة ثلة من الجند، فماجت فيهن الحياة، وكان لهن حوادث حب مع العرفاء دامت حتى يوم الرحيل.
فقالت الثانية: إنما يجب العمل، لا شيء يعوزنا إلا العمل!
وقالت الثالثة معانقة أختيها في حين راحت الموسيقى العسكرية تعزف لحن الرحيل: يا أُختيَّ! إن حياتنا لم تنته بعدُ إننا سنحيا.
هذه الموسيقى تصدح طربة. . . رويداً رويداً! إنني أُحس به. . . سنعلم غداً لماذا نحيا ولماذا نتألم!
هذه ناحية قوية من نواحي فلسفة تشيكوف البسيطة، وهي بمجموعها تنم عن (عجز عن الحياة مشوب بأمل مبهم. . .)
إن تشيكوف في الحقيقة منحة الأدب الروسي، وغرسة لم تتعهدها إلا تربة عرقه. ففي نزوعه إلى الحرية ترن ألحان تولستوي؛ وفي ميله إلى شراء الماضي بالألم يلوح وجه (دوستوفسكي) كأنما آثار كبار الروس تتبين خلال سطوره.
وقد يشبه تشيكوف من نواح عدة (موباسان) و (إيبسن) لكنه لا غموض ولا إبهام فيه، لأن الغموض النرويجي لا يلائم روح الأدب الروسي الذي ينزع إلى مجابهة المسائل الملعونة في الحياة مجابهة صريحة عنيدة. ولقد حار في تحديد قيمته النقاد فمنهم من وصفه بأنه كاتب (خلى) لأن كتابته لا تدعو إلى الثورة التي برزت في بعض آثار غيره، ومنهم من وجد فيه متشائماً لا يتفاءل في شيء من الحياة الروسية، لأنه ملتفت إلى وصف الآلام أو