- لقد ضايقنا هذا البابا بأمنياته، فماذا يهمه من الحرب؟ نحن الذين ضحينا بأبنائنا وأموالنا لنا الخيار في الكف عن الحرب أو الاستمرار فيها؛ أما هو فماذا يهمه من الخسائر؟ لقد انزوى هو ورجاله في معقل الفاتيكان ثم يريد أن يملي إرادته علينا. إن خير جواب على هذا النداء أن تقابله بما قوبلت به نداءاته الأخرى بالإعراض والإغفال.
فرد عليه صديقه المستر كونراد:
- أنت محق يا عزيزي باترمان. إن البابا لم تحترق يده في النار ليعرف ما هي النار. لذلك لا يمكنه أن يحكم على نزاعاتنا؛ وهو لم يغامر في هذا المديان؛ وهو وجنوده يسمنون من أكل أجود اللحوم وشرب أفخر الأنبذة. دع غواصة ألمانية تصيب أربعة منهم وهو يتنزهون في قارب - أقول أربعة فقط لا ملايين كما فجعنا نحن - وعندئذ يحق لنا الأخذ برأيه ونقول إنه جرب الأسى والحزن مثلنا، وعندئذ لا يتمالك أن يصب غضبه وغضب الإله الذي ينوب عنه على هؤلاء السفلة الألمان.
وكانت هذه الإجابة قد أرضت سياسينا فكسرت من حدة غضبه، واطمأنت ثائرة نفسه فقال - هو كذلك -: أوعز إلى الصحف المحافظة أن تستخف بنداء البابا، ولندع الصحف الكنائسية تنادي بهذا الحلم الخيالي الذي يبدو جميلاً لأربابها أعني به الصلح والسلام.
- وهو كذلك
وأنصرف باترمان وخرج من النادي بعد أن وقف على تطورات الحالة السياسية وقصد فندق سيسل، وكان الفندق غاصاً بالناس تلك الليلة يحيون فيه عيد الميلاد، ودخل المستر باترمان الفندق وخطا في ردهته الطويلة فلقت نظره في نهايتها ما حرك اهتمامه، فدرج نحو هذا الشيء وهو يقول في نفسه:(هل بعثت؟ محال أن يكون ذلك، فلسنا في عصر المعجزات، إذن لابد أن تكون قريبتها)، وكلما اقترب ازداد يقيناً، لأن ما يراه أمام ناظريه الآن ينبئ عن صلة القربى. فأمامه سيدتان كبراهما ذات جمال رائع وقامة كغصن البان، وعيون هي موارد السحر، وشعر هو الذهب الوهاج، وسنٌّ في حدود الثلاثين؛ والأخرى لا تقل عنها حسناً، ولكنها أقصر قامة وأقل فتنة. وقد اقترب منهما باترمان وهو واثق من هذه القربى، وشغل باله بها فلم يع شيئاً غيرها. ولما وقع نظره عليها شعر بتجاوب العاطفة في نفس تلك السيدة؛ فقد بدا على ثغرها ابتسامة جميلة فهم منها الشيخ معنى الرضا. ولما