في فترة السكون، ولكن المستر باترمان أحكم في المرة الثانية القبض عليها ووقف مستنداً إليها وهو يشعر بشيء من وخز الضمير علله بأنه نتيجة أمنياته التي تخالف أمنيات المصلين.
والمستر باترمان من أغنياء الإنجليز وصاحب مصانع الذخيرة والأطعمة المحفوظة، وهو مع ذلك من أقطاب السياسة وله نفوذ كبير في إدارة دفنها. لذلك لا تستغرب منه هذه الأمنيات السيئة، إذ في إبطال الحرب ضياع ثروته التي جعلها في مواد سيكون مصيرها البوار. وهو ككل رجال السياسة يعيدون عن توخي الصالح العام، يوقعون الأمم في شباك الحروب للغنم الذي يعود عليهم أو لخطر وهمي في أذهانهم، ويدفعون بملايين من أرواح البشر في سبيل هذه الغايات المجرمة. وكان من سوء حظ البشرية أن نعتقد في رجالها القداسة، وكان المستر باترمان ككل سياسي يبرر موقفه المخزي بشتى العلل والنيات. لذلك كان يجيب على هذه الضراعات التي كانت تخرج من قلوب المصلين ومن صميم الإنسانية جمعاء، بالتوسل للذات الإلهية إلا يجبها لماذا؟ لأن في إجابتها وانتقاء الحروب ضياعاً لثروة أمة ممثلة في ثروته تصبح بعدها في ذل الإفلاس والانحطاط المالي.
انتهت الصلاة وخرج باترمان وهو ما زال يشعر بوخز ضميره، وقصد النادي وخرج وراءه الشيطانان، وقال أكبرهما: لنتبعه حيثما يذهب، ولنجعل منه متعة لأنفسنا الليلة. (فما كاد يدخل ردهة النادي حتى سمع أصواتاً عالية كان أصحابها في مناقشة حادة؛ فلما دخل القاعة وجد أعضاء النادي في صخب وجدل فسأل صديقه المستر كونراد عن سر هذا الجدل، فعلم منه أنهم يجادلون في محاصرة بلاد العدو. وهل هذا العمل يكلف الحلفاء والإنجليز خاصة أكثر مما يربحون، ولكن باترمان لم يكن صافي الذهن خلي البال حتى يدلي برأيه، غير أنه سأل صديقه:
- وهل من جديد في الجو السياسي؟
فأجابه: لا شيء غير ما نقلته إلينا التلغرافات الآن من أن البابا يناشد الدول المتحاربة وخاصة الحلفاء أن يكفوا عن القتال
وقد وجد باترمان مجالاً يخرج فيه عن صمته الذي لزمه منذ كان في الكنيسة فانفجر صائحاً: