- وهو كذلك. إنها لفكرة حسنة. دعنا نضحك من سخفهم هذه الليلة.
- ٢ -
في مساء تلك الليلة اجتمعت الجموع في كنيسة القديس بولس. وكانت الجموع خاشعة، وقد اكتظت الكنيسة بالمصلين، كل قد جاء يدعو الله أن يحفظ أهله من شرور هذه الحرب الطاحنة؛ وكانت صلاة القداس يعلوها وقار وجلال لم يشهد من قبل، وكانت قلوب المصلين تتجه إلى الذات العلية مخلصة صادقة في دعواتها وصلواتها؛ وظل هذا الجلال والصمت لا يقطعهما غير صوت الكاهن وأغاني الشمامسة ونغمات الأرغن حتى أتى دور الدعوات، فأخذ الكاهن يتضرع إلى المولى عز وجل أن يزيل الكروب، وكان يجد من مساعدة الشعب له ما يجعلهم يرددون بصوت يرن صداه في قبة الكنيسة ومن أعماق القلوب (آمين يا رب. آمين يا رب) واستمر الكاهن في توسله يقول: (وامنع الحروب والغلاء والفناء وسيف الأعداء)، وقد توجهت القلوب بجملتها إلى الذات الإلهية بإخلاص أن يكشف عن الإنسان ذلك الكابوس الثقيل الذي لم يقاس أفظع منه. ومن منهم لا يتوجه بإخلاص إلى الله بهذه الضراعة وكلهم منكوب إما في نسله أو في ذوي قرباه؟ لذلك كانت (آمين يا رب) تخرج من القلوب بحرارة صاعدة إلى عرش الملكوت في ذلة الضعيف يطلب صنيعاً من سيده.
في هذه اللحظة الرهيبة كان المستر باترمان يردد هذه الدعوات وهو يقول في دخيلة نفسه:(يا رب لا تسمح بإجابة هذه الضراعة لأن فيها خرابي بل خراب أمتنا العزيزة)، وكان الشيطان الكبير يرافق زميله الصغير في هذه الحفلة المقدسة. فلما سمعا المستر باترمان اقتربا منه وسمعها أمنيته فضحكا من هذه المهزلة الإنسانية الكبيرة وأرادا أن يعبثا بالمستر باترمان فرغب الشيطان الكبير أن يهوي الرجل على الأرض، وكان عجوزاً في السادسة والستين من عمره لا يقوى على الوقوف طويلاً أثناء القداس؛ لذلك كان يستند على عصاه الأبنوسية، وفي فترات السكون الشامل بين الضراعة والأخرى، جاء الشيطان الكبير فزحزح العصا. فسقطت من يد الشيخ العجوز وأحدثت ضجة كبرى لفتت أنظار المصلين، وانكفأ الشيخ على وجهه وكاد يسقط لولا أن تمالك نفسه، ولما كان لا يقدر على الوقوف بدون العصا، انحنى ليأتي بها، ولكنه ما كاد يقبض عليها حتى خطر للشيطان الصغير أن يبعث به أيضاً فجذب العصا منه ثم تركها تهوي على الأرض فأحدثت مثل الضجة الأولى