مكانه من الثراء واليسار لأنه طامح، وأن كل عظيم طمح فاشتهر لأنه تعلق بالطموح
كلا. ليس هذا بتفسير فيما أرى
وليس هذا بالحقيقة فيما أعلم من شأن نفسي، وفيما أعلم من شأن البواعث التي حفزتني إلى معالجة (الدروشة) والكرامات الدينية، وحفزتني إلى قيادة الجيوش والغلبة في القتال، وحفزتني حيث استقر بي المطاف إلى المضي في طريق الأدب والكتابة دون كل طريق
فلو كانت المسألة طموحاً وتطلعاً إلى الحفاوة لكان الأولى بي أن أطمح إلى جمع المال والتوسع في التجارة لأنها قبلة الأنظار في بلد له في التجارة تاريخ عريق حتى قيل إن اسم الإقليم مستمد من اسم السوق
بل لو كانت المسألة طموحاً إلى الحفاوة التي يلقاها رجال الدين لكان الأولى بي أن أطمح إلى مكانة القضاة الذين يخرجون بين الحراس والحجاب ويتقدمون على رجال الحكم ورجال الجيش حينما اجتمعوا معاً في مكان حافل أو مأدبة حكومية، أو لكان الأولى بي أن أطمح إلى منزلة كمنزلة أستاذنا الفقيه الأديب الأستاذ أحمد الجداوي - رحمه الله - وكانت له حلقة دينية أدبية يتردد عليها أعاظم القوم ويجلسون بين يديه جلسة الخشوع والتوقير، وكانت له إلى جانب ذلك مساجلات أدبية يحج إليها المعلمون والمتعلمون، ويتندر بفكاهاتها وطرائفها من يدرسون ومن لا يدرسون
أما حياة (الأسرار) الدينية فلم تكن محل ظهور ولا وجاهة بين الناس، ولم يكن أحد ممن يقتدي بهم في هذا المجال على مظهر يشوق الطفل الناشئ أن يحكيه أو يعيش على غراره: مظهر مسكنة وحرمان وشظف وانقطاع
وأدل من هذا على خطأ التفسير بالطموح في هذا الصدد أن الظهور وطلب الكرامات والأسرار نقيضان كما تنبئنا أول صفحة من أول كتاب في مناقب الصالحين
فمن طلب الظهور فلا سبيل له إلى كرامة ولا نفاذ له إلى سر مكنون من أسرار القداسة والولاية
إنما تناول الكرامات والأسرار بالإعراض عن المظاهر والزهد في الحفاوة، وأن ننذر نفوسنا للفاقة والشظف والحرمان، ونجنبها غواية الزهو والترف والإعلان، وهذه هي الأمنية التي تمنيتها لأنني تمنيت البحث عن الحقيقة والهيمنة من طريق معرفة الحقائق