الروحية والمقدمات المعنوية. ويغلب على ظني أن ما شكاه من أمرهم قد بنى على أساس صحيح. فالناس قد اختلط عليهم الأمر وفترت عزائمهم وضلوا السبيل، وهم - ولا سيما شبابهم - يزجون بأنفسهم في ميادين الخطر ومسارح اللهو حيثما يكون أعظمهم مخاطرة أفضلهم شأناً. وكثير منهم عاملون على الاحتفاظ (بكفايتهم) لركوب هذه الأخطار. ولو أن قليلاً منهم يسعهم أن يجيبوا هذا الناشئ الموفور القوة على ما يسألهم عنه وقد تملكه العجب من احتفاظ الرياضي بكفايته من غير مران يعتصم به قائلاً:(لقد أنفقت جميع أوقاتي في الاحتفاظ بكفايتي. ولكن علام احتفظ بهذه الكفاية؟؟)
لقد أصبح الكثير وهم من (هواة الطيران) الذين لا يتهيبون أن تمزق أوصالهم وتتحطم رؤوسهم. أو ممن يتولون قيادة (سيارات السباق) ليندفعوا بها في سرعة طياشة قاتلة. كما أصبح المتقدمون في السن منهم وهم يرقصون تلك الرقصة الشاقة المضنية المسماة برقصة (الجاز) أو يلتمسون الرياضة العقلية في (حل الألغاز). أما شأنهم في الميادين الاجتماعية ونصيبهم منها فيا لهما من شأن موجع ونصيب منقوص. فهم بالإضافة إلى الشئون العامة ليس لهم من عقيدة تصدر عن تفكير رشيد. وهم لا يؤانسون في التعلق (بالوطنية) بدورها ما يشبع جل رغباتهم وإن كانت (الشيوعية) بالقياس إلى غيرها قد أمست وهي تجذب إليها قليلاً منهم. على حين أفل نجم داعي (الاشتراكية) - وهي صورة مخففة وطابع معتدل من الشيوعية - ففقد بريقه وضيع الافتنان به. وما برحت النازية أو الفاشية وهي أقل شأناً من أن تلفت أنظارهم إليها كعلاج ناجع لجميع الأدواء الاجتماعية. وهم إلى ذلك كله لم يظفروا من الإلمام بالمبادئ الحرة إلا بنصيب هو من قلة المحصول وضآلة الشأن بحيث لا يصلح لأن يكون وحياً للخاطر أو مصدر للإلهام. ولو أن غالبهم يميل إلى المبادئ الحرة ميلاً تقليدياً لا يصدر عن خبرة صحيحة أو إدراك سليم. وهم وقد صارت تلك المبادئ التي ينادى دعاتها بوجوب صيانة السلام العالمي ويزعمون أن القضاء على الحرب أمر محبوب ميسور وهي أجنبية عن فطرتهم، نجدهم ينفرون من الحرب ويشق عليهم أمرها. وهم يبحثون عن أشياء أجل من حياتهم شأناً وأعظم من أنفسهم قدراً يقفون عليها حياتهم وأنفسهم ولكنهم لا يملكون لها طولاً ولا يستطيعون إليها سبيلاً. وهم لم يظفروا من نتاج الأدب وخطب المنابر ومن سياسة الساسة وتشريع البرلمان ومن فلسفة الفلاسفة وعلم