أو لم يكن لأن الحالة آنئذ بلغت من التعقيد والإعجاز مبلغاً لا يسمح بالسيادة لأي رجل كان؟؟
لقد أتيح لي في أوائل عام ١٩٢١ وقبل الذكرى المئوية لوفاة نابليون بأسابيع قليلة أن أسأل المارشال (فوش)(الذي عرف عن نابليون أكثر مما عرفه أي قائد آخر من قادة الحلفاء) عما إذا كان قد همس بضميره يوماً ما وهو القائد العام لقوات الحلفاء والجيوش المتحدة في أواخر الحرب العظمى الماضية أنه كان بوسع نابليون لو حل محله أن يكون أوفر منه كفاية وأحكم قيادة وأكثر توفيقاً أم كانت طبيعة الظروف الحديثة من شأنها أن تجعل من نابليون رجلاً أدنى قدراً وأقل شأناً. وقد أجابني (فوش) أنه كثيراً ما وجه لنفسه هذا السؤال بعينه إبان الحرب العظمى الماضية ووقتما كان يمر بقبر نابليون في (الأنفاليد). وأن رأيه قد استقر آنئذ على ما امتاز به نابليون من البطولة الفذة والقلب الصارم في كفاحه ومن الكفاية الممتازة والبأس الصادق في الاضطلاع بالصعاب ومجالدة الأعداء كان من شأنه أن يمكنه من التسلط على الحرب الحديثة في قرابة الستة أسابيع. قائلاً:(وآنئذ كان يسع نابليون أن يضع لجيوشه خططا وأساليب جديدة ويبدع للحرب فنوناً لا عهد لها بها من قبل ثم يعمل ما توفر له من عبقرية ودهاء في أن يضرب أعداءه وقد هالهم الفزع الضربة القاضية.
وأغلب ظني أنه على هذا النهج بعينه يسع منشئ الصحيفة النابغ أن يسيطر على ما يصادفه عقبات جسام في طريق إنشاء الصحف الحديثة سيطرة تامة تنعكس معها آية تلك العقبات فإذا هي فرص مواتية وصفقات رابحة. وإذا هو يحدق بأعدائه المناهضين لمشاريعه فيهزمهم هزيمة نكراء قبل أن يتنبهوا إليه من حيث لا يعلمون. وغالب الأمر من نجاحه أنه رهن كفايته في قراءة ما يجول برءوس أبناء الأجيال الناشئة والإفصاح لهم عما تحفل به رءوسهم من أفكارهم وتوجيههم إلى ما تطمح أنفسهم له وتنصرف أمانيهم إليه لو أنهم اهتدوا إلى سبيله.
ولعهد غير بعيد بعث كاتب برسالة لصحيفة (ألمانشستر جارديان) رثى فيها لحال أبناء هذا العصر لما يستبد بهم من شعور بحاجتهم إلى مثل أعلى يعيشون له أو يموتون في سبيله إذا دعتهم الحاجة إلى ذلك. وكان جماع رأيه أن حياتهم بحاجة إلى نصيب من الصفات