لقد أحاطت هذه الجماعة السرية نفسها بسياج متين من الكتمان ويقولون في ذلك:(إننا لا نكتم أسرارنا عن الناس خوفاً من سطوة الملوك ذوي السلطة، ولا حذراً من شغب الجمهور من العوام ولكن صيانة لمواهب الله عز وجل لنا. لذلك حار الناس قديماً وحديثاً في معرفة أسمائهم، ولولا ما نقله القفطي عن أبي حيان التوحيدي في هذا الصدد وتعداده لبعض الأسماء المشهورة بينهم لعمى علينا الأمر فقد ذكر في أثناء حديثه عن زيد بن رفاعة (أنه أقام بالبصرة طويلاً وصادق بها جماعة لأصناف العلم وأنواع الصناعة، منهم أبو سليمان محمد بن معشر البستي (ويعرف بالمقدسي) وأبو الحسن علي بن هاورون الزنجاني وأبو أحمد المهرجاني وأبو الحسن العوفي وزيد بن رفاعة)
مكانهم وزمانهم:
كانت البصرة مركزهم الرئيسي وإن لم يذكر الإخوان شيئاً من ذلك في رسائلهم بيد أن القفطي قال:(وقد أقام زيد بن رفاعة بالبصرة زماناً طويلاً وصادق بها جماعة لأصناف العلم. . . الخ)، وهناك ما يؤيد رأي القفطي وهو أن البصرة كانت منذ أسست عاصمة العلوم الإسلامية ومحط كثير من رجال الفقه، فيها نشأ الحسن البصري ورؤساء المعتزلة، وفيها قام عبد الله بن ميمون بفتنة القرامطة أصل مذهب الإسماعيلية في أواخر القرن الثالث الهجري، وفيها قام أبو الحسن الأشعري يتنصل من الاعتزال، وكانت فيها حلقات العلم من كل فن وفي مربدها ينشد الشعراء قصائدهم؛ فلا عجب إذا أن كانت البصرة مأوى إخوان الصفاء.
هذا وقد كان للجماعة أنصار في مختلف البلدان ولهم دعاة يبشرون بمذهبهم بطرق منظمة؛ وفي هذا يقولون:(إن لنا إخواناً وأصدقاء من كرام الناس وفضلائهم متفرقين في البلاد). ويظهر أنه كان في بغداد جماعة أخرى على اتصال وثيق بإخوان الصفا وعنها يقول أبو حيان التوحيدي في كتابه المقابسات: (من أعضائها أبو سليمان محمد بن طاهر السجستاني، وأبو زكريا العميري، والعروضي أبو محمد المقدسي، ويحيى بن عدي، وأبو إسحاق