عرفت الآن أن هذه الرجة التي أصابتني، لم تكن إلا وثبة من أفكاري لحقت بالشمس الغاربة في دنيا المغيب.
أين يذهب هذا النور؟ ولاذا تبدو عليه دلائل الإعياء كلما غرب أو أشرق؟ هذا كانت توسوس نفسي! فتبعث آخر شعاع ينفلت من يد الظلام، وانسللت وراءه أتجسس في دنيا المغيب عن أسرار هذا الكون العجيب. سمعت همساً يدور حول جريحة تنزف الدماء منها بغزارة، وليس في وسع أحد أن ينقذها من الخطر.
هم يقولون: إنها ظالمة لنفسها، وليس ثم من يستطيع علاجها إذا كانت أظافرها هي سبب بلائها! وفجأة، رأيت لهيباً يندلع في الجو، وسحباً داكنة تنعقد في سمائه، ومياهاً باردة ترتطم بوجهي، فأصحو من غشيتي لأسمع زئير البحر الهائج، وقد تدافعت أمواجه وتلاطمت، وقذفت وجهي برشاشها المتطاير. ثم أسمع دوياً هائلاً يهز الأرض هزاً عنيفاً يعقبه طلقات سريعة متتابعة تندفع إلى السماء مزمجرة صاخبة، فأطلع بوجهي إلى حيث استقرت في كبد الظلمة فأرى خطوطاً من النور تمتد وتتطاول، ثم تتحرك في سرعة خاطفة، والأشباح تهوم في الفضاء، والريح البادرة تعصف بشدة، فأدرك في الحال من تكون تلك الجريحة التي كانوا يتهامسون عنها في دنيا المغيب! وأعلم أنها (الإنسانية) التي طعنت نفسها بسلاح الطمع وأضرمت في جسمها نار الحرب!
أما النور الذي يبدو عليه الإعياء كلما غرب أو أشرق! فهو الحرية التي يتعلل بها المجرمون في دنيا الوحشية والطغيان!
وهنا هتف صديقي قائلاً: لقد غربت الشمس، وأسدل الليل ستاره الأخير! فزدت، وانقضت الحرب بصواعقها، وما تدري متى ترفع نقمتها عن العالمين.