كان الرأي عندي أن المؤلف يرمز إلى الأجنحة الفلسطينية والسورية واللبنانية، فجبران في صفحات هذا الكتاب يعبر عن الأشجان الموروثة في تلك البلاد، ثم وجدت في كتابه فقرةً تشهد بذلك، فعرفت أن حكمي على اتجاهاته النفسية لم يكن ضرباً من التخمين.
أحزان سريانية
لكل أدب من الآداب القديمة خصائص، وخصيصة الأدب السرياني هي الإسراف في البكاء، فجبران الحزين هو البقية من روح السُّريان القدماء.
وعلة الحزن السرياني أو السوري لا تحتاج إلى توضيح، فأولئك أقوام كان تاريخهم كله عراكاً في عراك، ولم تكن بلادهم إلا محترّباً يتصاول فيه الفقر والغنى، والعبودية والحرية، والخوف والأمان، بغض النظر عن احتراب العواطف والشجون
وبكاء تلك البلاد لا يمثل العجز، وإنما يمثل العتب على القضاء وقد يرتاض على الصبر الجميل في بعض الأحيان.
ومن أشهر الأغاني السورية هذا الصوت:
ماشي الحالْ، وماشي الحالْ
وما في حالْ، وماشي الحالْ
خلّيها لله، يدبِّرْها الله
وهذه الأغنية هي الصرخة الباقية من بكاء السريان، وهو بكاء ممزوج بالصفح عن كيد الزمان، أو الرجاء في عدل القضاء.
مهاجرون بلا أنصار
والتاريخ يشهد أن الهجرة كانت من المذاهب السورية في كثير من العهود، وهو مع ذلك يشهد ان السوريين كانوا في الأغلب مهاجرين بلا أنصار، فقد بنى أجدادهم الفينيقيون مدينة (مرسيليا) قبل أكثر من خمسة وعشرين قرناً، ولم تحفظ لهم مرسيليا هذا الصنيع، فأحفاد أولئك البناءين لا يعيشون اليوم في مرسيليا إلا تراجمة أو حمّالين.
ثم هاجرَ السوريون المحدَثون إلى أمريكا، ولم يتركوا قالة من قالات الخير إلا أضافوها إلى الأمريكان، فهل تأمْركوا ونسوا وطن الآباء والأجداد؟