فمن أراد أن يعرف سرّ الحزن في الأدب السرياني القديم، ومصدر اللوعة في الأدب السوري الحديث. فليذكر أن الاغتراب والاضطهاد هما الأصل في ذلك البكاء.
ومن أجل هذا كان السوريون أحرص الناس على تأييد فكرة العروبة لأنهم يرجون أن تكون وطناً فسيح الأرجاء يغنيهم عن الاتجاه إلى الغرب؛ ومن الغرب جاء الاغتراب!
ومن أجل هذا أيضاً كان السوري ينقل وطنه إلى كل أرض ليذكره في كل وقت، عساه يرجع إليه ولو بعد حين.
ومن أجل هذا وذاك كان السوري في أغلب أحواله من رجال الأعمال، ليرحم نفسه من اجترار الأشجان. والغنى في الغربة وطن، كما قال أسلافنا الحكماء.
الجميل الغادر
هو جبل لبنان، الجبل الذي يدعو أبناءه في كل لحظة إلى امتطاء غارب المحيط ليجدوا المجد أو القوت فيما وراء البحار. وكذلك يرحل اللبناني عن الجبل والدمع في عينيه ليواجه العالم بنفس منطوية على الإباء المكبوت أو الهوى الدفين
ولو جمع ما قال المهاجرون اللبنانيون في الشوق إلى ذلك الغادر الجميل لكان تحفة رائعة من صور الوجد والحنين
السوريون المغتربون لا ينسون وطنهم أبداً. وكيف ينسونه وهم مهاجرون بلا أنصار، ولا عزاء لهم غير تمثل ما في بلادهم من أزهار ورياحين؟
الأمل الضائع
كان السوريون واللبنانيون قد رفعوا علم العروبة في الأقطار الأمريكية فأتاحوا لنا القول بأنهم بعثوا (الأندلس) من جديد، وكيف لا يكون الأمر كذلك وقد أنجبوا أدباء من أمثال نعيمة وجبران؟
ولكن الطبيعة تريد غير ما نريد
الطبيعة قضت بأن يكون لبني العمومة في الأمريكتين زوجات أمريكيات وأبناء مخضرمون يعجزون عن فهم لغة الآباء الأصلاء.