وجهه علائم عزم خطير، وقال: إلى أين أذهب؟ بالطبع يا رودا إلى. . . ثم تابع السير ولكن إلى المنزل.
وبعد جنازة جيسي سافر جوردون ولكن إلى الخارج، وظل متنقلاً من بلد إلى بلد، ولكنه في أشهر الصيف يعود إلى المدينة التي دفنت فيها زوجته.
وكان يرجع (عليَّ غير انتظار من رودا لذلك الرجوع) لأنها كانت تعد دخوله إليَّ منزل زوجته بعد دفنها يشابه شق القبر على ميت، وذلك لما ينطوي عليه المنزل من الذكريات.
وكانت رودا تقدر تمام التقدير حالة جوردون وأنه لم ينس قط زوجته ولم يرد أن ينساها، وإنما هو يعالج نفسه كي يستطع الحياة بالسفر ليرى مناظر جديدة ووجوهاً جديدة، ولما تقابل معها لأول مرة بعد عودته قال: لقد بدت عليك علائم الكبرياء يا رودا ولكنك لم تزيدي إلا جمالاً وقد كنت ولا تزالين أجمل من رأيت.
وقد أدهشت رودا هذه الصراحة في مخاطبتها فترجعت كما يتراجع من ينتظر أن تصيبه صفعة، ونقصت منزلة جوردون عندها في هذه الليلة لأول مرة منذ عرفته. وفي تلك الليلة طلب إليها جوردون في وسط جمع من الأصدقاء أن تتزوج منه وقال: لقد كنت علي الدوام أحبك وحدك وإن لم أتبين ذلك في بعض العهود، وكان طبيعياً أن يكون حبنا كذلك. وكان هذا الاعتراف مخجلاً في نظر رودا فتلقته في ألم صامت ولم تجد من الألفاظ ما يعبر عن شعورها، وكان خجلها لأنها هي نفسها كانت تريد الزواج منه، وأدركت أنها غير وفية لصديقتها وأن جوردون غير وفي لزوجته وأن المسكينة الجديرة منها بالوفاء هي المضطجعة في القبر والمنسية من الجميع.
ولما فرغ جوردون من تصريحه قامت رودا على الفور ودخلت مكتب أبيها ولكنها لم تجده فيه. وكان أبوها يحب جوردون يحترمه. وكانت رودا تعتقد أن حبه واحترامه لجوردون سيزولان إذا أخبرته بما سمعته منه في هذه الليلة من الإنكار لحبه السالف لزوجته.
وترددت رودا في كيفية رفضها لما طلبه جوردون. فهل تخبره بأنها ترفض لمجرد كونها لا تحبه؟ إنها إن فعلت ذلك فلا تكون إلا كاذبة، فإنها كانت لا تقف في حبها إياه عند حد.
ورأت رودا أنها إن تغلبت على الجانب النبيل من عواطفها جانب الوفاء، فإن معيشتها مع جوردون ستكون منغصة بسبب غيرتها من زوجته الأولى، لأنه لن يستطيع أن يواجه إليها