قال رودا: عهد تمريضه! إنها في الواقع لم تكن مريضة لولا النوبات الخفيفة التي جعلته بساطتُها يمرضها بنفسه بدل أن يستحضر لها ممرضة
وقد كانت رودا تقول ذلك وهي تتذكر أن جيسي كانت تتغدى معها منذ يومين فقط. وكانت صحتها إذ ذاك أحسن من صحة رودا نفسها، وكان لون خديها وردياً، وكانت تضحك وتمزج كأحسن ما يكون والإنسان في حالة الطرب. والآن وقد ماتت جيسي فإن رودا تعود بالذكرى إلى يوم منذ سبعة أعوام كانت فيه هي واسطة التعارف بين جيسي وبين جوردون في نفسي هذا المنزل.
بعد أن تخرجت جيسي من المدرسة جاءت لتزور صديقتها رودا. وكانت رودا هي أجمل الفتاتين ولكنها غير متعلمة على النقيض من جيسي، وذلك استولت الأخيرة على قلب جوردون الذي كان إلى هذا العهد من المعجبين بها والذي يمتاز عن سائر هؤلاء المعجبين بأنه يجمع بين الذكاء وبين المهارة والجمال والغنى.
وقد نزلت رودا عن حبيبها إلى صديقتها وكانت سخية في ذلك، ولكنها لم تخل من الألم ولم تستطع كف الدموع ولم تستطع منع الغيرة. وهي مع ذلك ظلت تكتم الأمر عن الجميع فلم يفطن إلى حقيقته أحد حتى ولا جيسي ولا جوردون.
وفي الآونة الحاضرة استعادت رودا في ذاكرتها كل حوادث الأعوام السبعة الماضية حتى التافه منها. وكان أخص هذه الذكريات وأهمها ذكرى مرض جيسي ذلك المرض الذي أظهر تفاني جوردون في حبها إلى الحد الذي صار فيه كل الزوجات في المدينة يعيرن أزواجهن لأنهم لا يحتذون هذا المثل العالي من الإخلاص.
ومضت سبعة أعوام وماتت جيسي وانتهى كل شيء، وبعد العشاء لبست رودا ثيابها ومشت وهي ترتعش في برد الليل إلى بيت شاننج، وكان الليل مظلماً فرأت في الطريق شبحاً وعرفته ولكنه لم يعرفها فنادته: جوردون إلى أين تذهب؟ فمد يده إليها وارتعش جسمها عندما لمست يده فصافحها مصافحة ود، وأخذت تبحث في ذهنها عن كلمة تعزيه بها فلم يسعفها الخاطر وأخيراً قالت: إلى أين تذهب يا جوردون؟
وقد أربكها أنه لا يسير في اتجاه المنزل وأنه يمشي بخطى سريعة إلى النهر وقد بدت على