فيسأل تلميذه التوحيدي وهو من أعلم الناس بأحوال أبى سليمان هذا السؤال: كيف كان كلام أبى سليمان فينا؟ وكيف كان رضاه عنا ورجاؤه بنا، فقد بلغنا أنك جاره ومعاشره ولصيقه الخ؟ ولا يستغرب صدور مثل هذا السؤال من وزير، فلأبي سليمان مجلس له شأن، ولأبي سليمان دائرة ذات مكانة في البلد ومنزلة.
كانت حلقة أهل المنطق في بغداد حلقة كبيرة ضمنت نخبة كانت لهم ثقافية ممتزجة عالية، لم تكن عربية بحتة ولم تكن يونانية أو فارسية أو سريانية خالصة. كانت تجيد مختلف اللغات، وتحمل مختلف الثقافات. ولقد فضل أهل النظر صاحبنا السجستاني على كثير من زعماء هذه الدائرة ممن كانوا يشتغلون بنفس الموضوع الذي اشتغل فيه السجستاني أمثال ابن زرعة أبي علي عينسي ابن اسحق (ولد سنة ٣٧١ وتوفي سنة ٤٤٨هـ)، وهو أحد المتقدمين في علم المنطق وعلوم الفلسفة والنقلة المجودين، نقل من السريانية بعض كتب أرسطوطاليس، وكانت له عناية خاصة على ما يظهر بكتب هذا الفيلسوف ومنطقه دون فلاسفة اليونان الآخرين. وكذلك أبو الخير الحسن بن سوار بن بابا بن بهرام المعروف بابن الخمّار، وابن السمح، والقومسي، ومسكويه، ونظيف ويحيى بن عديّ وعيسى بن علي. وكل هؤلاء من مشاهير بغداد في ذلك العهد ومن أدبائها الممتازين. فلا عجب بعد ذلك ولا غرابة أن رأينا أن عضد الدولة مثلاً كان يكرمه ويفخِّمه وينزله منزلة خاصة من بين الأدباء المنطقيين.
انتقلت شهرة السجستاني في المنطق من بغداد إلى الأندلس كما انتقلت فلسفة الفارابي والفلسفة الطبيعية أيضاً وكان الذي نقل هذه الشهرة وهذا المنطق محمد بن عبدون الجبلي من أهالي الأندلس، نقلها إلى الأندلس عام ٣٦٠ الهجرية (٩٧١م) أي في السنة التي عاد فيها ثانية إلى وطنه الأصلي من العراق، وللسجستاني كلمات حكيمة تدل على أنه لم يكن يقنع بالحواس الخمس ولا بالتجارب وحدها وإنما كان يرى في العقل وحده القول الفصل شأن الفلاسفة العقليين الذين يرون في الحجج العقلية الدليل الأولى أمثال بار منيدس الفيلسوف العقلي الشهير وفلاسفة مدرسة الأليئاثن وفلاسفة القرنين السابع عشر والثامن عشر للميلاد، وعلى الأخص أمثال دبكارت وشبينوتزا ولايبنتز وولف وأولئك الذين أطلق عليهم الفيلسوف وند اسم المنطقيين المتطرفين وهؤلاء هم عكس الفلاسفة التجريبيين