والموكب في هذه المسرحية حقيقة ومجاز. حقيقة باعتباره أنه كائن عادي يُسْمَعُ وَيُرَى جانب منه، يعج عجيجه وتصدح موسيقاه، وترتفع هتافاته فتسري الهزة في شخوص المسرحية، وينطلقون يتحركون ويعملون، كل منهم في الدائرة التي رسمها له المؤلف. والموكب مجاز باعتبار أنه دلالة معنوية على شيء في النفس، في نفوس أشخاص المسرحية. هو لون من ألوان الرغبة التي هي لدى بعض الأشخاص في المسرحية مكبوتة مقيدة، لا هي تهدأ وتستكين، ولا هي تنطلق من إسارها إلا بعد لأي ومداورة ومراوغة، ثم هي لدى البعض الآخر رغبة إيجابية في فورتها تعمل مباشرة للانطلاق ولتحقيق غايتها.
أسرة في بهو بيت من بيوتات القاهرة اجتمعت حول المذياع تنصت الفنية بعد الفنية إلى ما يقوله المذيع عن أوصاف الموكب الذي ينتظم في محطة العاصمة ليسير بالأمير إلى ساحات القاهرة وطرقاتها. اصطفاق الجماعات وهي تعبر بهذا البيت في طريقها إلى المحطة، ترتفع إلى آذان المجتمعين حول المذياع من وقت لآخر فتشيع الهزة فيهم. والمجتمعون هم (فضل الله باشا) رب الأسرة، والد شيخ مصاب بعصبة أمراض إلا المرض الذي يضعف الشهية ويلجم النهم، وزوجة له دونه سناً وفوقه نشاطاً وعافية، وابن وابنة لهما، في أول سني الشباب يلبسان أحدث الأزياء، ثم ابنة للوالد من سرير تقوض منذ زمن طويل، فهي في منحدر العمر، وزوج لها يكبرها بأعوام، الاثنان يتفقان في الحياء الذي لا سبب له، وفي نزعتهما التحشمية المتحفظة البادية على لباسهما. نماذج بشرية من أجيال مختلفة، وأمزجة مختلفة، إلا أنها تتفق في ناحية واحدة، وهي الرغبة التي تساورهم جميعاً لمشاهدة الموكب!!
الجميع يرغبون في الخروج ولكن. . .
ولكن الباشا (فضل الله) يكره الخروج لأنه يمقت الزحام كما أنه متعب من أوجاع داء المفاصل، وابنته الكبرى وزوجها (زهرية وبديع) يودان الخروج ولكنهما يكبتان الرغبة احتراماً للباشا. هذا في حين أن زوجة الباشا (نظيره) وولديها (بشاير وصفر) يتوقون جميعاً إلى الخروج ويجاهرون بهذا ويعملون على تحقيقه. . . مجتمع طريف ولاشك من حيث تباين النزعات، ومن حيث موقف النفوس أمامها.
الباشا لن يستطيع مشاهدة الموكب لأنه لا يريد أن يبرح مكانه باسم المرض، إذن فلا