خروج لواحد من أفراد الأسرة، ولا متعة إلا ما يستطيع أن يستمع بها هو قبل كل إنسان. الباشا قانع ومسرور بمشاهدة الموكب بعين الخيال الذي يبعثه صوت المذيع من الراديو، فواجب أن يقنع الجميع قناعته، وأن يسروا سروره. الباشا، بعبارة أخرى، أَثِرٌ بحب نفسه، الباشا تصرعه الأنانية. . .
بيد أن هذه الأنانية أو الأثرّةَ لدى الباشا غير ملحوظة بحقيقتها من وعيه الظاهر، لأنها من إيحاء المضمر الكامن في وعيه الباطن، والمرء قلما يشعر لأول وهلة بحالة نقص نفسي فيه. ولذلك نرى الباشا يلبس هذه النقيصة وهو لا يشعر حلة غير حقيقتها ويفسرها تفسيراً خاطئاً، وأداته في ذلك المنطق الكليل القاصر عن النفاذ إلى جوهر الأشياء، فنراه في حديثه يزجي حشداً من الأسباب لتبرير البقاء في البيت والاكتفاء بسماع الراديو، ويورد مبررات منطقية لها ظل من الحقيقة النسبية التي يريد فرضها على أفراد أسرته، وهو يأتي كل هذا بعقله الظاهر ليستر شيئاً مضمراً في ثنايا عقله الباطن، وليقيم صلة منطقية بين العقلين.
وأعجب من هذا أن الباشا، وهو أثر يحب نفسه، يفزع من سماع هذه الصفة ملتصقة به فنراه يصارحه بها ابنه (صفر) يتبرم ويتعثر ويأبى إلا أن يفسر هذه الصفة بأنها نزعة غضب أو استبداد!
ونعود إلى موضوع القصة. قلت إن (صفر وبشاير) ووالدتهما يتنزون شوقاً إلى مشاهدة الموكب وأنهم يجاهدون من أجل ذلك، فلا نلبث أن نرى صفر، وكأن وحياً هبط عليه فجأة، يصارح شقيقته وأمه بأنه وجد السبيل إلى الخروج من البيت، ثم ينحني عليهما ويأخذون بأسباب همس حار.
ويعترض سياق الهمس من جانب والحديث من جانب الباشا وابنته الكبرى وزوجها مشهد أورده، على ما أعتقد، ابتغاء تنشيط الحركة المسرحية التي أخذت تركد بعض الشيء، لا يخرج القارئ منه بشيء جديد أكثر من مطالعة شخصية جديدة هي (الشيخ كروان) وهو أفاق مشعوذ ممن يخلطون الجد بالهزل، ويمزجون العته بالذكاء، توسلاً إلى التقاط المال اليسير الذي يعيشون عليه. وقد يضيف هذا المشهد لوناً ثانوياً على شخصية الباشا فتنكشف لنا ناحية من نفسيته، وهي ناحية تلحظ عند كثيرين من البشوات السذج الذين ما برحوا يرون في التمرغ (بتراب الميري) ولو بطريق اقتعاد مقاعد البرلمان، أمنية محببة مرموقة.