وأغلب الظن أن المؤلف قصد بإيراد هذا المشهد أن يمهد للانقلاب النفسي الذي سيجريه على نفسية الباشا في نهاية المسرحية، وذلك بطريق إظهار الباشا ممن يهتمون بالمظاهر الرسمية وممن لا يتركون فرصة تسنح دون أن يذكروا الدولة ورجالاتها بشخصهم الكريم.
ويستأذن (صفر) في الخروج بعد أن أضمر أمراً مع شقيقته ووالدته فيسمح له. وبعد برهة قصيرة يبدو فيها الباشا أكثر اهتماماً يتسمع أقوال المذيع عن وصف الموكب، وكأنما قد بعثت في نفسه أقوال (الشيخ كروان) عما تتداوله الألسن عن قرب تعين الباشا عضواً بمجلس الشيوخ، يدق جرس التليفون. . .
صوت ناعم يتكلم ويرجو حرم الباشا أن تسارع بالمجيء من أجل مسألة هامة، والباشا يعارض؛ ولكن البيت الذي ستذهب إليه حرمه مجاور لبيته، والداعية صديقة حميمة لها، وزوجها (عبد الغفور بك) جار عزيز لدى الباشا، والمسألة خاصة بوضع تعجل أوانه، فلا يجد الباشا بداً من النزول على إرادة الداعية وإجابة التماس زوجته، فتخرج (نظيرة هانم) وابنتها (بشاير)، ويبقى الباشا ومعه ابنته الكبرى وزوجها.
وسرعان ما يقتحم بهو البيت حيث يتربع الباشا وفد يهتفون باسمه الكريم. الوفد هم أعضاء (جمعية الفتيان المصلحين) التي يتقلد رئاستها الفخرية الباشا ولا فخر.
ما أحذق تيمور في إيراد المتناقضات الخلقية في الشخصية الواحدة، تلك المتناقضات التي تثير الضحك في غير افتعال، وتبعث معين الرحمة في القلوب فتمتد أطرافها إلى تفاهات الإنسانية وضعفها العريق!
اغتنم الوفد فرصة مروره أمام دار الباشا فصعدوا ليذكروه بأن دار الجمعية ترحب بتشريفه لمشاهدة الموكب عن كثب ومن غير عناء. ثم يأخذ زعيم الوفد في الإشادة ببهجة الموكب وبجلال الموكب. فنرى الباشا يعتذر عن إجابة دعوة الوفد. ولا يعتذر، وإذا به نهبة لتيارات جديدة. . . وينصرف أعضاء الوفد هاتفين بحياة الباشا.
وتبدر بعد ذاك بادرة تنم على أن الباشا بدأت تعتلج نفسه بأشياء لم يكن يحسها من قبل. هاهو يطلب إلى ابنته الكبرى أن تفتح شباك الشرفة على مصراعيه، والشرفة تطل مباشرة على الشارع حيث تمر الوفود لتنتظم في سلك الموكب، هو يطلب هذا بدعوى أن الهواء محتبس في البهو.