النظام الذي يدرب عليه كل جيش ويصلح لجميع الجنود. فلولا أن النازيين قضوا قبل الحرب الحاضرة زهاء عشر سنوات ينفخون في نفوس الناشئة جذوة البغضاء ويلهبونهم بحماسة العقيدة ويخلقون فيهم اللدد الذي يغني عن الرقابة ساعة التنفيذ لحبطت الخطة كل الحبوط وانقلبت على النازيين شر انقلاب.
وهاهنا تتجلى حكمة النبي عليه السلام في اشتراط الرغبة والطواعية واجتناب القسر والإكراه.
فهذه (أولاً) بعثة منفردة لا سبيل إلى الإكراه الفعال بين رجالها إذا أريد.
وهي (ثانية) بعثة استطلاع لا يغني فيها عمل الكاره المقسور، وألزم ما يلزم العامل فيها إيمانه وصدق نيته وحسن مودته لمن أرسلوه. فإن أعوزته هذه الصفة فقد أعوزه كل شيء.
أما غرض البعثة كلها وهو الاستطلاع فقد كان النبي عليه السلام عليماً بمزاياه معنياً به غاية العناية يحسب العدو المجهول كالعدو المستتر بأسوار الحصون في حمى من الجهل به قد يحول دون الاستعداد له بالعدة الضرورية ويحول من ثم دون الانتصار عليه.
وكان عليه السلام مثلاً بين قواد الجيوش الذين جعلوا عدة الاستطلاع مقدمة على عدة التعبئة، ومن هؤلاء نابليون الكبير.
قلنا في مقال كتبناه بالرسالة لمثل هذه المناسبة منذ سنتين:(لم يعرف عن قائد حديث أنه كان يعني بالاستطلاع والاستدلال عناية نابليون، وكانت فراسة النبي في ذلك مضرب الأمثال، فلما رأى أصحابه يضربون العبدين المستقيين من ماء بدر لأنهما يذكران قريشاً ولا يذكران أبا سفيان علم بفطنته الصادقة أنهما يقولان الحق ولا يقصدان المراء، وسأل عن عدد القوم فلما لم يعرفا العدد سأل عن عدد الجزور التي ينحرونها كل يوم فعرف قوة الجيش بمعرفته مقدار الطعام الذي يحتاج إليه. وكان صلوات الله عليه أنه يعول في استطلاع أخبار كل مكان على أهله وأقرب الناس إلى العلم بفجاجة ودوربة، ويعقد ما يسمى اليوم مجلس الحرب قبل أن يبدأ القتال، فيسمح من كل فيما هو خبير به، ولا يأنف من الأخذ بنصيحة صغير أو كبير).
ونحن نكتب هذا المقال والحرب الروسية تذكرنا كيف أصيب نابليون في هذا الميدان حين أصيب في وسائل الاستطلاع، ثم تذكرنا كيف تكررت هذه الغلطة بعينها على نوع من