للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عينوها له، وكثيراً ما يذكرون الحكم ويتبعونه بقولهم: (وبه يفتى)، أو (وعليه العمل) ونحو ذلك؛ فهل تلتزمون فضيلتكم هذه الرسوم فيما تصدرون من فتوى، ولا تخرجون عن هذه الأقوال؟

فأجاب قائلاً: إن الفتاوى التي أصدرها على نوعين: نوع يتصل بالقضاء الشرعي والجهات الرسمية، وهذا أفتي فيه بما هو الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة، لأن المستفتي يطلب ذلك في استفتائه، ولأن هذا هو المذهب الرسمي في مصر، ولو لم أتبع هذه الطريقة لاصطدم القضاء بالفتوى.

أما النوع الثاني فهو الفتاوى التي أصدرها في استفتاءات غير رسمية أو واردة من البلاد الأخرى، وأنا في هذه الفتاوى لا أتقيد برسم يرسم، ولا بقول من الأقوال في مذهب الحنفية، وإنما أختار القول الذي أرى دليله راجحاً وأبين سبب رجحانه عندي، وقد أذكر إلى جانبه الأقوال الأخرى إذا طلب المستفتي ذلك أو كان الأمر يستدعي ذكرها.

قلت له: أتلتزمون في ترجيحكم دائرة المذاهب الأربعة المعروفة؟

فقال: أنا لا أتقيد بالمذاهب الأربعة، ولكني لا أخرج فيما أفتي به عن مذاهب العلماء من السلف والخلف. والسبب في ذلك أن الفقه الإسلامي غني جداً بأقوال العلماء وآرائهم فلا تكاد تجد مسألة من المسائل إلا وقد تعددت آراء الفقهاء فيها بحيث لا تستطيع أن تجزم بأن رأياً تراه لم يقل به أحد العلماء من قبل، فليس على الناظر في هذه الثروة الطائلة إلا أن يختار أرجحها مصلحة، وأقواها دليلاً، وأشبهها بروح الشريعة، وهذا هو الذي أسير عليه.

سألت فضيلته: أكان من المفتين الذين سبقوا فضيلتكم في دار الإفتاء المصرية من جرى على هذه الطريقة التي تسيرون عليها؟

فقال: إن الفتاوى التي تحتفظ بها سجلات دار الإفتاء لا تدل على ذلك، وإن كانت تدل في كثير من الأحيان على فقه جيد، ونظر سليم.

قلت له: وفتاوى الأستاذ الإمام محمد عبده؟

فقال: إن الناحية التي تجلت فيها مواهب الأستاذ الإمام الشيخ (محمد عبده) كانت هي إدراكه الصحيح لمعاني القرآن الكريم، وفهمه الدقيق لأغراضه، وتذوقه لأسلوبه ومعجز بيانه، مع بصر عظيم بأحوال الناس، وعبر التاريخ، وأسرار تقدم الأمم والشعوب، وسنة

<<  <  ج:
ص:  >  >>