الله في جميع الكائنات؛ يؤازر ذلك قلب جريء، وجنان ثابت، وعقل متصرف. وكان - رضي الله عنه - يعتمد في فتاواه على إدراك روح الشريعة، وتبين أغراضها العامة، لا على مناقشة المذاهب، وترجيح أقوال الفقهاء؛ ولذلك تأتي فتاواه غالباً مختصرة، وقد تثير خلافاً بين أهل العلم. ومن أمثلة ذلك أنه أفتى فتواه المشهورة بجواز لبس (البرنيطة)، فقامت من أجلها ضجة هائلة بين العلماء وأهل الأزهر يومئذ، فلما أردت أن أفتي في هذا الموضوع انتفعت بموضع العبرة فيه، فأخرجت فتواي التي تجيز لبس (البرنيطة) إخراجاً فقهياً مؤيداً بأقوال العلماء، جارياً على طريقتهم في الاستدلال والترجيح، وبذلك لم يستطع أحد أن يشغب على هذه الفتوى أو يثير في شأنها جدالاً.
٢ - في الرقابة العامة
شكرت فضيلة المفتي الأكبر على هذه المعلومات القيمة، ثم توجهت إلى فضيلة المراقب العام أسأله عن آماله فيما يتصل بالتعليم الأزهري العالي، وعن أسلوبه في العمل على تحقيق هذه الآمال فأجاب قائلاً:
- إنني أرجو أن تخرج لنا الكليات الأزهرية في نواحيها المختلفة علماء يمتازون بميزتين:
إحداهما: القدرة على فهم مسائل العلوم فهماً صحيحاً واضحاً لا على استظهارها فحسب؛ وإن لدينا من آثار الأولين لثروة عظمى في سائر العلوم الدينية والعربية والكونية: في اللغة والنحو والصرف وعلوم التاريخ والمنطق والفلسفة وأصول الدين والأخلاق وغيرها. لدبنا كنوز مليئة بالخيرات تحتاج إلى من يفتح مغاليقها ويستفيد منها؛ والأزهري هو الذي يستطيع أن يفتح هذه المغاليق، ويثير دفائنها، وهو المطالب بأن يأخذها من مصادرها، ويستخرجها من منابتها في صبر ومثابرة وحسن إدراك.
والوسيلة إلى ذلك هي غرس المحبة للعلم في نفوس الطلاب والأساتذة فإن الذي يذوق لذة العلم لا يعدل بها لذة أخرى، ولا تصرفه عنها صعوبة من الصعاب، والشعور بلذة البحث أول إمارات النجاح.
الميزة الثانية التي يجب أن يمتاز بها العالم هي القدرة على التصرف فيما يعلم، لإفادة الناس به، وتطبيقه عملياً في جميع شئون الحياة.
والوسيلة إلى ذلك فيما أرى هي تشجيع الكفايات العلمية الممتازة، وبث روح العمل