للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اتصل المسلمون بالعالم العلمي منذ أكثر من قرن، وظل رجال الدين وطلابه في عزلة عنه فلم يصبهم من ظلمات النظريات المادية شيء، ولكن حركة التطور العامة دفعت بهم إلى الاتصال به من سائر طبقات الشعب، تقريباً للثقافات الدينية من الثقافات العامة تفادياً من حدوث تناف بينهما، فتصبح الأمة فريقين متنافرين

والإسلام متين يقوم وجوده وتقوم دعوته على العلم: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟)

وقد صافى الإسلام من وجوده العلم، وسمح لأهله أن يندفعوا في تياره، وأن يستفيدوا منه ويشيدوا مجتمعهم عليه، فكان أنبل مجتمع ظهر على سطح الأرض، وكانت له دولة لا تغرب عن أقطارها الشمس، فأقال عثرات الإنسانية، وداوى كلومها، وكشف ظلماتها؛ ولم تعرف في تاريخ الإنسانية أمة قامت بالدين معتمدة على العلم غير الأمة الإسلامية

ولكن العلم الذي كان يدرس في مدارس المسلمين اليوم، قائم على الأصول المادية البحتة للقرن التاسع عشر، ولممثليها من أهل القرن العشرين؛ فتجد كتبها التي بين يدي الطلبة لا تزال تردد لهم النظريات الرثة العتيقة التي تخيلها ديموكريت اليوناني منذ أكثر من ألفين وثلاثمائة سنة وهي: (أن المادة لا تفنى ولا تتجدد)، على حين أن علم القرن العشرين قد توصل إلى إفناء المادة وإحالتها إلى قوة، بذلك المادة لم تكن ثم كانت

هذه المعرفة لها قيمة عظيمة في الدراسات الدينية، لأن القول بعدم تجدد المادة وفنائها يؤدي إلى القول بقدم العالم المادي، وهو أساس المذهب المادي وحصنه الحصين

وفي هذه المدارس الدينية تدرس الفلسفة ويقرر للطلاب فيها أن الرأي المادي هو الذي ساد جميع الآراء، وأن السلطان انتهى إليه، وهو آخر طور من أطوار التفكير البشري، وما هو في الواقع إلا مرمى المادية قبل التطور العلمي الأخير

وتدرس البسيكولوجيا (علم النفس)، وكتبها المدرسية موضوعة على أسلوب الفلسفة المادية، فيضطر طلبة الذين أن يقرءوا فيها: أن ليس للإنسان روح مستقلة عن الجسمان، وليس له ضمير فطري يرجع إلى عالم علوي، وأن كل ما فيه من شعور بالحسن والقبح، وبالفضيلة والرذيلة، وبالخير والشر، أمور اعتبارية لا أصل لها في وجود أرفع من هذا الوجود؛ وأن الغرائز الأدبية ليست متنزلة من روح علوية، ولكنها عادات أوجدتها مصلحة

<<  <  ج:
ص:  >  >>