للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجأرت الأمم، وجعلت تنذر النذر، وتبذر الوعود والعهود، وتقيم الصلوات العامة، تأمر بها الحكومات، ويركع فيها الحكام والملوك. ثم جاء النصر وجاء السلم، فذهبت النذور هباء، ولم تلق الوعد ولا العهود وفاء؛ وكل ما كان هنالك أن جيء بأسماء جديدة أطلقت على مسميات قديمة، فذهب الاستعمار وجاء الانتداب، وذهبت المحالفات وجاءت عصبة الأمم، وعاد الناس وعادت الأمم تبتغي الكسب وتبتغي المال والقوة، حتى كان من الأمم المنتجة من كانت تحرق ما زاد من غلات أرضها لتبيع الباقي من الأمم الأخرى بثمن أعلى، وانحدر المال إلى خزائن بعض الأمم، كما ينحدر الماء إلى مهابطه من الأرض، فجفت بقاع منه وغرقت بقاع، وجاعت أمم وتخمت أمم، وانقلبت الأوضاع واشتد النزاع، وخسرت الإنسانية السلم، فخسرت بذلك الحرب قبله، إذ قامت هذه الحرب

قامت هذه الحرب ماذا كان؟ كان الذي يعرف كل إنسان أنه كان في الحرب الماضية: فالنذور تنذر، والوعود تبذر والصلوات العامة تقام؛ وأصبحت الأمم المتمدينة لا ترى أهنأ من الأمن، واعتزمت في مستقبلها أن تتناصف في قسمة المواد الخام لتعيش إلى الأبد في سلام!

إنها مدينة مجنونة هذه التي تنسى الله وتعصاه في الرخاء بعد أن كشف عنها البلاء، حتى إذا أخذها بنكثها وإثمها جأرت إليه تسأله النجاة ولم يكن لديها ما تتعهد به للناس أو تنذره لله إلا أن تتعايش في سلام، وتتناصف في المواد الخام.

لقد أفلست المدينة الغربية وحق عليها ما حق على المدنيات الخاطبة قبلها. وهاهي تنتسف بقوتها الكامنة التي من الله بها عليها فلم تطعه فيها. هاهي حين فسقت عن أمر الله تنفجر بما اختزنت من علم ومال حولتهما فيما حولت قنابل وطرابيد تلقي من الجو وتنشر في البر والبحر على المحارب وغير المحارب على السواء (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة، إن أخذه أليم شديد) إنها مدينة كتلك القرية ضربها الله مثلاً في القرآن: (كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها لباس الجوع والخوف)

إنها مدينة مسيحية اسما لكنها لم تقم قواعدها على نصرانية ولا إسلام. فنصرانية عيسى صلوات الله عليه ليس فيها حرب ولا سلاح ولا استعمار. والحرب في الإسلام لا تكون في

<<  <  ج:
ص:  >  >>