للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبيل الفرد ولا في سبيل الأمة ولا في سبيل الجنس، ولكن في سبيل الله ليكون الحكم في الأرض لله.

إن الاستعمار الذي ابتدعته مدينة الغرب ليس من الإسلام في شيء، ولا من حكم الله في شيء. فاستغلال القوي الضعيف فرداً كان أو أمة ينكره الإسلام كل الإنكار. وتحكم أمة في أمة بالهوى لا يعرفه الإسلام ولم يشرعه الله. وعلو أمة على أمة وشعب على شعب أو جنس على جنس حرمه اله الذي سوى بين الناس وساوى بين الأجناس ولم يجعل على أحد فضلاً إلا بالتقوى: تقوى الله الذي خلق الأحمر والأصفر والأبيض والأسود. ففيم استعلاء فريق على فريق؟ وفيم تحكم لون في لون أو شعب في شعوب؟ (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. إن الله عليم خبير).

لقد عرف الله الإنسانية أيما إعزاز حين جعلها خاضعة له وحده سبحانه في الحكم، ليس لأحد سبيل إلا بحق الله طبْق دين الله الذي بينه الناس واضح المعالم ظاهر الحدود في كتابه الكريم الذي فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً في حياته الكريمة التي مثلت حياة الأمم وحياة الأفراد كيف ينبغي أن تكون.

لقد علم الله سبحانه أن هذه المدينة المعقدة ستكون، وأن الإنسانية ستقلب في أطوارها التي تقلبت فيها، وأنها ستفتح لها أبواب العلم، وأن هذا العلم سيَفتح لها فنوناً من القوة، وأن هذه القوة ستسلمها إلى صفوف من المشكلات لا تحل حلا حلاً مرضياً موفقاً إلا طبق ما سن الله للفطرة من سنن، وللنفس البشرية من قوانين، عرفت الإنسانية بعضها، وجهلت منها أكثر مما عرفت. فلو أن الإنسانية وكلت إلى نفسها وعلمها وجهدها وحدة ما خرجت، وما أمكنها أن تخرج من ورطاتها التي هي لا بد واقعة فيها بتعمقها في العلم الطبيعي الذي يفتح لها كنوز الأرض من غير أن يريها طريق العدل في استعمالها. فأراد الله سبحانه أن يتم نعمته على الإنسان بأن يجمع له بين القوة وبين الهدى في استعمال القوة، فآتاه العلم، وقبل أن يؤتيه العلم أنزل عليه الكتاب والحكمة ليريه كيف يتقي شر العلم ونتقي خبره بالوقوف في استعماله عند الحدود التي حدها الله فاطر الإنسان وفاطر القوى التي سخرها بالعلم للإنسان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>