للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا كان من عجيب صنع الله للإنسان أن وهبه العقل الذي استفتح به كنوز العلم، فإن أعجب منذ لك أن تفضل سبحانه فأنزل له الدين ليقيه مالا يمكن العقل ولا العلم أن يكفوه إياه من الشرور والأخطار

أقسم أن نعمة الله على الناس في الدين أعجب وأكبر من نعمته عليهم بالشمس أو بالقمر أو بما خلق في الأرض من كائنات ينعم بها الإنسان أو لا ينعم، شكوراً أو غير شكور. إن هذه الكائنات خلق من خلق الله، والإنسان واحد منها يقوي أمام بعض ويضعف إزاء بعض، ينتفع بها أحياناً ويتضرر بها أحياناً، لكن الدين خير كله ونفع كله وسعادة صرفة لمن يتقبله مؤمناً، ويعمل به مسلماً. وأقسم لو سخرت العلوم هذه الكائنات كلها للإنسان وكان الإنسان بتسخيرها يتمتع في هذه الحياة المتعة كلها من غير تعب ولا ملل ولا هَمٍ ولا حزن ولا ضعف ولا مرض حتى إذا مات كان الحساب وكان العقاب إذن لكانت نعمة الله على الإنسان بالدين الذي يقيه عذاب الآخرة ويؤتيه نعيمها أكبر من نعمته عليه بالعلم بقدر ما بين الآخرة وبين الدنيا من فرق وفضل في المدة وطولها، أي بقدر ما بين الباقي وبين الفاني أو بين غير المتناهي والمتناهي من فرق وفضل. فكيف وهذه العلوم لا تسخر للإنسان إلا جزءاً مما حوله، وقد يشقى بما يسخر له منها وقد يسعد؛ وهو في أحزانه وهمومه، ومحاربه ومكارهه، وأمراضه ومصائبه، لا يجد سلوى ولا مخرجاً ولا عزاء إلا بالدين، وبطاعة الله في الدين. وكيف وهو لن يلقي النعيم الصرف الذي لا يخالطه عذاب، والسعادة المحضة التي لا يشوبها شقاء، إلا بعد هذه الحياة في حياة أخرى لانهاية لها ولا أجل إذا كان قد أطاع الله وعمل في دنياه بالدين

على أن هناك معنى في الدين الإسلامي أكرم الله به للإنسان كرامة لا يقوم بها شكر ولا ينقضي منه عجب المتفكر، ألا وهو تفضل الله جل جلاله بمخاطبة الإنسان من كتاب من عنده سبحانه على لسان رسول من البشر تقوم الأدلة القاطعة على صدقه. إن مجرد مخاطبة الخالق كرامة دونها كل كرامة يكبرها ويجلها الإنسان في الدنيا، فكيف والخطاب في كتاب عظيم كريم مبين. الحق سبحانه هو المتكلم فيه، فليس لبشر فيه جملة أو كلمة أو حرف! كتاب من عند فاطر وصفه فيه جل وعلا بصفة الفطرة بقوله: (وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)

<<  <  ج:
ص:  >  >>