جميعاً؛ فحق للعالم أن يقول: إنما الحياة الشمس، وإنما الشمسُ الحياة!
أيتها الشمس! ما أحسنك وأجملك، وما أطيبك وأكرمك!
تعملين لأول الدهر إلى غاية الدهر، في غير ونيً ولا سأم، ولا ضجر ولا بَرَمَ، ولا صلف ولا استعلاء، ولا زهو ولا كبرياء. . ولو شاء الله لأهلك بحرك بعض الأقوام، ولو قد شاء لأهلك بطول حجبك جميع الأنام!
وبعد، فما أخلق الذين يمسهم حظ من المجد في هذه الدنيا، والذين يمسون صدراً من السلطان فيها أن يبتغوا لسيرهم من سيرة هذه الشمس أعلى المثل. فيعلموا كل في محيطه للنفع العام في جد وداب، مؤمنين كل الإيمان أن الموهبة والسلطان إنما ينبغي أن يكونا ملكاً خالصاً للمجموع لا لأحد من الناس ولا لشيء من الأشياء.
على أن مما يفجع حقاً أن كثرة من هؤلاء الذين ينالون مجداً ويولون سلطاناً سواء أكان أقام من ثم لهم هذا في جماعة أم في شعب أم في شعوب - سرعان ما ينسون كل شيء لأن الأثر قد ملكت من نفوسهم كل شيء. فنفوسهم هي المبدأ، ونفوسهم هي الغاية. حتى إذا أجالوا الفكر في منافع الجماعات، فلا لأنهم يؤثرون لهذه الجماعات نفعاً أو يبتغون لها خيراً، بل لأنهم إنما يطلبون من هذا السعي مراماً لأنفسهم لا لشيء آخر، قد يكون هذا المرام، في أعف الصور هو إحراز المجد. أما ما يقع من خير المجموع، أو ما يحتمل أن يقع، فليس أكثر من طريق! وكيفما كان الأمر، فإنه ما يكاد أحد هؤلاء يحس مجده ويستشعر سلطانه، حتى يَوْرم أنفه، ويتداخله من الصلف والمخيلة ما يملوه اعتقاداً بأن الرأي في الأمر ليس إلا ما يرى هو، وأن ما سواه لا صلاح له ولا خير فيه، بل لقد يكون كله شراً وفساداً.
ولقد يشتدّ طغيان هذه الَخلَّة على المرء، فيرى أن الناس لا ينبغي أن ينظروا إلا بعينه، ولا يسمعوا إلا بأذنه، بل إنه ليرى أن من العبث الضار أن يجري فكرهم بغير ما يجري به فكره، وأن تنتهي آراؤهم على غير ما ينتهي إليه رأيه. فإذا خالفه امرؤ إلى غير هذا، كان بين اثنين: إما ملتاث ممخرق، وإما معاند مكابر يجب أن يعجل له سوء العذاب!
وفي الحق أن اكثر من يغمرهم هذا الطغيان، إنما يرون ما يرون ويفعلون ما يفعلون، عن ثبات إيمان ورسوخ اعتقاد!