وما ظنك بمن تطبعهم شدة الأثرة على الإيمان بأنهم مبعثون من لدن رب السموات لإصلاح ما فسد في رقعه من الأرض أو في رقاع الأرض جميعاً؟ فإليهم وحدهم عهد الله بالاضطلاع بهذا المهم. وعليهم وحدهم تقع تبعة التقصير في علاجه، والراضي في إمضائه وإكماله!
وهؤلاء لا يطلبون الأعوان والأنصار ليعاونوهم بصادق الرأي وصالح المشورة؛ ولكن ليعاونوهم بقوة المظهر وإمضاء ما قضي به الوحي الذي لا يخطئ أبداً!
فإذا تعاطفت ما يختلف على هذه الأرض من عصور العتوّ والطغيان: تخرب العامر، وتدمّر القائم، وتُقفر الآهل، وتراق فيها الدماء بغير حساب، وتزهق النفوس لغير سبب من الأسباب: إذا تعاظمك هذا في عصور الدهر المتتابعة، فاعلم أن علته تلك الخلَّة الفاجرة في الإنسان!
وأمس، لقد أتمتْ دورةُ الشمس حولاً سلكته في عقد التاريخ أيضاً، وآذنت العالم بفجر حولٍ جديد
وإن ذاك العام المدبر، وهذا العام المقبل، لهما - كما تعلم - من أعوام الهجرة، هجرة محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه من مكة إلى المدينة، وقد ساد بها الإسلام، فسعد بسلطانه الأنام
وبعد، فلست بحاجة إلى أن أحدثك عما كان قد غشى الأرض جميعاً من ظلم وفساد، وتصدع في النفوس وتضعضع في الأخلاق، حتى كاد يُقضي على الأمم بعدم الصلاحية للبقاء. إلى أن بُعث محمد من عند الله حقاً، فبلّغ رسالته إلى الناس، كما أوحى إليه بها ربه حقاً، فكان ما شهد التاريخُ من ذلك الفتح والإصلاح والإسعاد
ولا أحب أن أُطيل في وصف ذلك الإصلاح والإسعاد، فبحسبهما أن تنزَّل بآياتهما وحيٌ كريم، من عند الله العليّ العظيم
وإنما أقف وقفةً قصيرةً عند سيرة من خلفوا محمداً صلى الله عليه وسلم، ولم يؤيد أحدٌ منهم بوحي سماوي، ولا حبي بالعصمة التي حُبي بها الأنبياء، إنما هم أناِس مثل سائر الناس.
وإذا كان خلفاء الرسول قد ارتفعوا على سائر الناس، فبأنهم إنما ساروا سيرة هذه الشمس التي تطالعهم كلَّ صباح وتغرب عنهم كلُّ مساء. على أنها هي إنما تعمل لعالم الأجساد