بيوت مكة في غير منزلك. فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا أدخل البيوت، فلم يزل مضطرباً بالحجون وكان يأتي المسجد من الحجون) ويروي ابن هشام أن عبد الرحمن بن أبي بكر عدا على مال أبيه بمكة بعد هجرته، فلما كان يوم بدر خرج عبد الرحمن مع قريش لقتال المسلمين فناداه أبوه: أين مالي يا خبيث؟ فأجابه عبد الرحمن:
لم يبق غير شكة ويعبوب ... وصارم يقتل ضلال الشيب
ويروي ابن هشام كذلك (أن صهيباً حين أراد الهجرة قال له كفار قريش أتيتنا صعلوكاً حقيراً، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريدان تخرج بمالك ونفسك، والله لا يكون ذلك: فقال لهم صهيب. أرأيتم أن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟ قالوا نعم! قال فأني جعلت لكم مالي. قال فبلغ ذلك رسول الله (صلعم) فقال: ربح صهيب! ربح صهيب!) ويروي ابن اسحق أنه (لما خرج بنو جحش بن رئاب من دارهم عدا عليها أبو سفيان ابن حرب فباعها من عمرو بن علقمة. . . . فلما بلغ بني جحش ما صنع أبو سفيان بدارهم ذكر ذلك عبد الله بن جحش لرسول الله (صلعم). فقال له رسول الله (صلعم) ألا ترضى يا عبد الله أن يعطيك اله بها داراً خيراً منها في الجنة؟ قال بلى! قال فذلك لك. فلما افتتح رسول الله (ص) مكة، كلمه أبو أحمد في دارهم فأبطأ عليه رسول الله (صلعم). فقال الناس لأبي أحمد، يا أبا أحمد! إن رسول الله (صلعم) يكره أن ترجعوا في شيء من أموالكم أصيب في الله عز وجل، فأمسك عن كلام رسول الله (صلعم) فيها) ومما يدل على شدة فقر المهاجرين لأول عهدهم بالمدينة أن الرسول عند ما خرج بهم إلى وقعة بدر في السنة الثانية للهجرة دعا الله في رواية الواقدي فقال: (اللهم انهم حفاة فاحملهم، وعراة فاكسهم، وجياع فأشبعهم، وعاله فأغنهم من فضلك)
من أجل تلك الفاقة كان المهاجرون في السنوات الأولى من الهجرة عالة على الأنصار. وذلك مظهر ثالث للحوق المشقة بهم - نعم إن الأنصار أكرموا وفادتهم كل الإكرام وواسوهم أتم المواساة، ولكن تلك الحال ليس من السهل على كرام النفوس احتمالها. يروي البلاذري أن النبي عندما أراد قسمة غنام بني النضير قال للأنصار:(ليست لإخوانكم من المهاجرين أموال، فأن شئتم قسمت هذه فيهم خاصة. فقالوا بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت. فنزلت (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) فقال أبو بكر: