للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في المخابرات والمعاهدات لا يمنع من أن تصير من الألغاز عند اشتجار الأغراض، فما ظنكم بنصوص دينية جرت في الأصل مجرى التلميح تجنباً للعدوان والاضطهاد؟

والمقام لا يتسع لغير فرضين اثنين: فرض يجيزه الجدل وهو الظن أن القرآن وحيٌ من عند الله، وفرض يجيزه الجدل وهو الضن بأن القرآن من صنع محمد، وللفرض الثاني فرعٌ سنشير إليه بعد لمحات.

فعلى الفرض الأول يكون القرآن هو الفَيْصَل في تقرير مذاهب الأنبياء، وعلى الفرض الثاني يكون محمدٌ أخضع الأنبياء في أقوالهم وأفعالهم لمذاهبه الذاتية في الوصل بين الدين والمدنية.

وأنا في حيرة بين هذين الفرضين، ولو كنت من خصوم الإسلام لاخترت الفرض الأول واسترحت، فليس من الكثير أن يضاف محمد إلى الأنبياء، ولكن الكثير حقاً أن يصل رجلٌ غير ملهَم إلى الوصل بين العلم والمدنية، وهون غرض كان يجب أن يتنبه إليه كبار الأنبياء. و (البلية) كل البلية أن الناس عجزوا عن تخيل نظام يكون أفضل من نظام الإسلام، وهو النظام الذي يوجب أن يوزع المرء قواه بين ثمرات الأرض وأنوار السماء.

الإنسانية أجمع تحتقر الرجل المنزوي في الكهوف، والإنسانية أجمع تبغض الرجل الذي لا يعرف غير اقتناص الأموال، والإنسانية أجمع قد اتفقت على أن الإنسانية الكامل هو الرجل الذي يأخذ نصيبه من الدنيا مع الاحتفاظ بنصيب في الدين

ومحمد هو صاحب هذا الرأي، وبه (أدعّى) على زعم أصحاب هذا الفرض أنه خاتم الأنبياء. ومن هذا الملحَظ ندرك كيف صار خاتم الأنبياء، فمن العسير أن نتصور نظاماً أفضل من النظام الذي شرعه محمد عن طريق الوحي أو طريق الاجتهاد.

هنالك فرضُ ثالث، وهو أن تكون الضمائر الإنسانية تجمّعت وابتدعت هذه الشخصية المحمدية، لتكوين الرمز الذي يصور مثلها الأعلى في الوجود.

ويمنع من هذا الفرض مانعان حصينان، أحدهما تاريخيّ وثانيهما فلسفيّ.

فمحمد حديث العهد في التواريخ النبوية، ولم يمض من الزمن ما يسمح بجعله شخصية معنوية، كالذي قيل في بعض الأنبياء، أو بعض الحكماء. ألم يشُك قوم في وجود المسيح وسقراط؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>