أما الجانب الفلسفي فهو يضايق خصوم الإسلام، لأنه يجعله سريرة وجودية، وعندئذ يكون من الحتم أن يكون أعظم دين عرفه الوجود.
للباحث المنصف أن يدير هذا البحث كيف يشاء، فلن ينتهي إلا إلى ما انتهينا إليه، وهو القول بأن شريعة محمد خير شريعة عرفها المجتمع الإنساني، فهي إذا منحة ربانية تستوجب الحمد والثناء. وهل يصدر مثل هذا الفيض إلا عن صاحب العزة والجبروت، وهو الذي منح (إنسان العين) على صغره قوة تخترق أجواز السماء، بغض النظر عن فضله العظيم في إضاءة العقول والقلوب؟
ثم ماذا؟
نترك إلى الباحثين المنصفين درس هذه المعضلة بنور المنطق والعقل والعدل، وننتقل إلى شرح الاصطلاح المعروف بالتطبيق، فكيف كان الإسلام بعد موت الرسول؟
شرَّق الإسلام وغرَّب، وجرتْ بين أهله أحداثٌ وخطوب، حتى جاز القول بأن فريقاً من المسلمين أخطئوا فهم الغرض من الدين الحنيف
وفي حومة ذلك الخطأ نشهد ظاهرتين بارزتين بعنف وطغيان:
الظاهرة الأولى هي الاهتمام باللغة العربية اهتماماً يتمثل في المؤلفات التي تُعدّ بالألوف، ويتمثل في قول بعض الفقهاء بأن الصلاة بغير اللغة العربية عملٌ مردود
أما الظاهرة الثانية فهي الإقبال المنقطع النظير على درس الجوانب المدنية من التشريع الإسلامي، ويمكن بسهولة أن نقول إن (القانون المدني) لم يشهد في جميع أدوار التاريخ شرّاحاً أعمق من الشراح المسلمين، جزاهم الله خير الجزاء، فهم الحجة الباقية على أصالة العبقرية المدنية في الأمم الإسلامية
وارجع إلى الظاهرة الأولى بشيء من التوضيح فأقول:
كان المسلمون يرون أن لا سلامة للعالم إلا بوجود (لغة دولية) يتفاهم بها أهل المشرق وأهل المغرب، وهل قام في الدنيا نزاع إلا بسبب انعدام التفاهم بين الناس؟
ومازال المسلمون يساومون هذا الغرض حتى تحول إلى عقيدة دينية، فصح عندهم أن (اللغة العربية أحسن اللغات)، وأن الصلاة بغيرها لا تجوز، وأنها ستكون لغة أهل الفردوس. والمسلمون يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن رحمة الله مقصورة عليهم، وأن طمع