مطمئنة، ثم مضى القواد إلى ناحية من سور الحصن وجعلوا ينظرون إلى الأشباح المتحركة والغبار الثائر في ضوء الغروب الخافت.
ثم قال (جورج) القائد الأعلى للحصن (أيمكن أن يكون هؤلاء العرب قد غلبوا جنود الدولة التي أرسلت إليهم وبلغوا هذه الجهات في شهر واحد؟ وماذا فعل (إريطبون)؟ وماذا فعل تيودور؟) فقال أحد القواد، وكان أقربهم إليه:(لقد شهدت حرب هؤلاء في مواطن كثيرة، إنهم يخرجون إليك كأنهم سراب الصحراء لا تدري من أين جاءوا، ثم تراهم ينصرفون عنك حتى لا تسمع عنهم شيئاً فكأنهم غاصوا في رمال الصحراء. ثم ما يلبثون أن يعودوا إليك وأنت لا تتوقع عودتهم كأنهم أشباح لا تعوقهم مادة هذه الأرض).
ثم أرخى الليل سدوله ولم يأت بعد نبأ عن فعل تلك الأشباح المتحركة، وطلع صباح اليوم التالي فإذا بالأرض الشمالية على عهدها ليس فيها غبار ثائر ولا أشباح متحركة، فكأنما كان منظر المساء الغابر من صور الخيال واختراع الوهم. إلا أن زوال ذلك اليوم حمل إلى الحصن بقية من جرحى قرية (أم دنين) التي على شاطئ النهر وفلا من مسلحة الحصن التي هزمها الجيش البدوي المغير. غير أن ذلك الجيش لم يبق بعد ذلك طويلاً على الشاطئ بل عبر النهر واختفى في الأفق الغربي. فتعجب القائد (جورج) عندما بلغه هذا، وعرف أن قائده الذي وصف له حرب العرب كان يصفهم عن خبرة وعلم. لقد ظهر جيش العرب في شمال الحصن كأنه شبح خيال ثم اختفى كذلك كأنه شبح خيال. ولكن متى يعود؟ ومن أي جهة يطلع بعد عليهم؟
تواردت إلى الحصن بعد ذلك الإمداد الكثيرة من جميع أنحاء مصر تعزيزاً لحصن الحصون الذي يدافع عن قلب البلاد مدينة (مصر)، وأجاب قواد الأطراف على استصراخ (جورج) قائد الحصن بأن بعثوا إليه ما استطاعوا بعثه من الجنود المجهزة ليطردوا ذلك الجيش الذي لاح ثم اختفى، وتجهز المقوقس العظيم ليسير بنفسه من الإسكندرية إلى مركز البلاد، ليكون وجوده حافزاً لهمة الجنود، وليكون على مقربة من الأعداء لعله يستطيع بما أوتي من بلاغة ومكر أن يصرفهم عن البلاد.
ومرت الأيام سراعاً وراجت الأخبار المتضاربة عن الغزاة، وأتت بعض أنباء تلك الكتيبة الصغيرة من فرسان الصحراء، فإذا بالقائد الشجاع (حنا) الذي كان معبود جيش الروم