للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بالفيوم يقتل في بعض المواقع منذ دفعته شجاعته للقاء جيش العرب. وترددت أنباء ذلك بين القواد والجنود فإذا هم في حصن بابليون حلقات يتهامسون عن هذا العدو المغير ويتساءلون عن كنهه وحقيقة أمره، وكان بين جنود الروم وقوادهم من رأى حروب الآفار والبلغار والفرس، وكان منهم من قرأ أخبار الأمم الماضية ممن أغار على دولة الرومان في القرن الماضي من اللمبرديين والوندال والقوط. وما كان أفظع تلك الأمم التي أغارت في تلك القرون على أراضي الدولة الرومانية! فقد كانوا لا يعرفون في الحرب هوادة ولا رحمة، ولا يخضعون لقانون خلقي أو ديني. فقد حكى عن (البوين) ملك اللمبرديين أنه هزم في بعض حروبه قبيلة الجبيدي وقتل رئيسهم والد (روزاموند) الجميلة، ثم اتخذ تلك الابنة الجميلة زوجة له واحتفل بزواجه منها احتفالاً وحشياً، وجعل يشرب الخمر في كأس جميلة - وأي كأس أجمل من جمجمة عدوه والد عروسه الجميلة؟ حقاً ما كان أفظعه وأفظع قومه! ولقد دخل الوندال بلاد غاله ثم بلاد أفريقية، وكان الروم يعرفون مقدم هؤلاء الوندال بما يرتفع من لهيب النيران فوق آفاقهم. فكان هؤلاء الوندال يجتاحون بلادهم كما تجتاح العواصف والحرائق السهول الفيحاء فتتركها قاعاً صفصفاً، أيكون العرب كبعض هذه الأمم؟

مضى أشهر ثم عادت كتيبة العرب من الأفق الغربي فعبرت نهر النيل مرة أخرى، وظهرت لربيئة الروم من خلال البساتين والكروم التي بين الحصن ومدينة (أون)، وكان الروم قد اجتمعوا في العدد والعدة في حصنهم العظيم (بابليون)، فما أسرع أن تدفقت جموعهم نحو الشمال لتحيط بتلك الكتيبة وتهلكها. وهل كان هؤلاء العرب ليقووا على صدمة جيش عظيم كهذا؟

وقع الاصطدام أخيراً عند مدينة (أون). وماذا دهى القوم؟ فان هي إلا جولات، فإذا بجيش الروم يتردد في سيره، ثم إذا به يرتد نحو شاطئ النهر. ثم ها هي ذي كتيبة عربية تخرج إليه من شاطئ النهر كأنها تنقذف عليه من أعماقه. وها هو ذا الجيش العظيم يتردد مرة أخرى ثم يتفكك ثم تتدافع جموعه نحو الجنوب يحاول كل فرد منهم أن يبلغ الحصن قبل أن تأخذه سيوف العرب اللامعة. ومرت الأيام بعد ذلك فإذا بالروم قد دخلوا حصنهم وأغلقوا أبوابه الضخمة، وإذا بالعرب حول الحصن العظيم يتطلعون إليه ولا يدرون كيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>