الجاه؛ حينئذ ينقلب الواحد من هؤلاء على عقبيه، وينكر ماضيه ويترك مبدأه ويعيش متمتعاً بما نال من حظوة وكسب من صيت وشهرة باعتباره رجلاً من رجال الإصلاح!
إن كنت مبالغاً في هذا الذي أقول فلنتذكر أن لنا بالقاهرة وحدها عشرات من الجمعيات الدينية والاجتماعية ولكل منها مبادئ قامت بها فيما تزعم عليها. وأنه ما من واحدة من هذه الجمعيات أخلصت أو تخلص لمبادئها وجدت أو تجد في الدعوة إليها أو تحقيقها! هل ربت جماعات الكشافة التي تزخر بها المدارس تلميذاً واحداً على الصدق في القول والاستقلال في الرأي والاكتفاء بالنفس، ومعاونة الغير، ونحو هذا من مبادئ الكشف والكشافة؟ هل أفلحت جمعيات المسلمين في جعل فريق من الناس ولو من أعضاءها مسلمين حقاً يعرفون - ويعلمون بما يعرفون - أن الصدق في المعاملة من الدين، وأن اعتبار المؤمنين جميعاً اخوة أساس الدين، وأن كراهة الظلم والظالمين مما يحتمه الدين ويدعو إلى أن يظهر بطريقة عملية تردع هؤلاء الظالمين؟ هل أخذ أعضاء هذه الجمعيات الدينية - التي تدعو للحشمة والصون والعفاف، وتحارب فيما تزعم التبرج والخروج عن الدين - أهلهم وأولادهم جميعاً بحدود الدين وألزموهم سننه وشرائعه؟ معاذ الله أن يفعلوا هذا وأن يلتزموا المبادئ التي يدعو إليها وأن يكون لهم في ثبات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصادقين على المبدأ الحق عظة وذكرى!
إذا تركتا هذا النحو من القول، وانعطفنا ثانية لحادث الهجرة نجد فيه مجالاً لعظات أخر من الخير أن نشير إلى بعضها.
هاجر النبي وصاحبه الصديق إلى المدينة فماذا فعل؟ كان أول ما عمل أن آخى بين المهاجرين والأنصار ليكونوا يداً واحدة عل من عاداهم؛ وكان من هؤلاء الأنصار أن واسوا إخوانهم المهاجرين وشاطروهم ما يملكون، وآثروهم ولو كان بهم خصاصة، فكانوا بذلك مؤمنين حقاً؛ حسن إيمانهم، وخلصت قلوبهم، ورأوا من الكذب والزور أن يزعم الواحد منهم أنه أخ لمن يشركه في الدين ثم يستأثر بما أنعم الله عليه به، ويزوي عنه حقه فيه؛ ويحتجن دونه نصيبه منه
أما نحن فنلوك بألسنتنا أن المؤمن أخ المؤمن لا يظلمه ولا يسلمه؛ ونقرأ كثيراً قول الله تعالى:(إنما المؤمنون اخوة)؛ وقول الرسول الحكيم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما