للفكرة والاقتناع بها والإعلان عنها. ومن ثم كان من يحاول انتزاع صفات الإسلام والوقوف على مبادئه وغاياته من أعمال شيعته الأولين وتصرفات أحوالهم ومظاهر حياتهم بنتائج تصرفه إلى الاعتراف بصلاحه وتجعله دائم التفكير في الركون إليه.
أما اليوم فمن يحاول انتزاع هذه الصفات والمبادئ من مظاهر أحوال معتنقيه في كافة الشعوب التي تتغنى بأن دينها الإسلام، فإنه يظفر بما لا يجعله شديد الرغبة في هذا الدين ولا كثير التفكير فيه؛ لأن مسلمي اليوم - لا فرق بين جمهورهم وسادتهم - في ضعف واستكانة وذلة؛ وتحلل من جميع الصفات التي ساد بها السابقون وعليها ارتقت دولتهم وعظم سلطانهم.
وهذه المظاهر لا تدل على ضعف في المبادئ ذاتها. لأن هذه المبادئ هي التي نهضت بالسابقين نهضة ما يزال التاريخ يزهي بها؛ وإنما تدل على ضعف في إيمان أصحابها اليوم. ونقص في إخلاصهم للفكرة وانصرافهم إليها. وإن تعجب فعجب أنهم ما يزالون يسمون أنفسهم مسلمين.
ليت شعري متى كان الإسلام كلاماً ودعاوى، ومتى نهضت المبادئ مع تحلل أصحابها عنها وتركها وراءهم ظهرياً! إن الذي يتوهم أن المبادئ تعلو مع خذلان أصحابها لها، وتنتصر مع انصرافهم عنها، وتنهض وهم يعوقون حركتها؛ إن الذي يتوهم ذلك يجري وراء شيء أبعد من الخيال. والرأي عندي لهذا أن الخلاف بين الكلاميين في التفرقة بين الإيمان والإسلام يرجع إلى أمر جدلي أكثر مما يرجع إلى الحقيقة
هناك فرق بين الإيمان بالفكرة والتسليم بها. الإيمان بالفكرة يستلزم التفاني في خدمتها والنهوض بها. ويتبعه جهاد عنيف شاق وعمل دائب متصل لأجل سيادتها وذيوعها وبسط سلطانها؛ ولأن هذه الرغبة تحدو المؤمن بفكرته يحاول جهده أن يقف عند تعاليمها وتأثر خطاها ويترسم حدودها، ويبتعد عن كل مظهر يخالقها أو تلمح فيها مدافعتها. أما التسليم بالفكرة فيكتفي صاحبه باستحسانها وعدم معارضتها دون أن يتبع ذلك عملاً حاسماً في سبيل نصرتها ورفعة شأنها؛ وسواء لديه بعد ذلك أنهضت الفكرة أم ماتت؛ لأنه لم يؤمن بها ولم يخلص إليها ولم يأبه لرواجها
وإذا أردنا استخلاص شيء من ذلك خلص لنا أن المسلمين اليوم ضعاف الإيمان؛ لأن