مظاهر قوة الإيمان غير متحققة فيما بينهم ولا جلية في أعمالهم وأوصافهم؛ وكل ما يبدو من تصرفاتهم عنوان هذا الضعف ودليله
لهذا كله نراهم محتاجين إلى قيادة وتوجيه حتى يتزايد عندهم الإيمان ويتولد الشعور بقوته وكماله فينصرفوا كما انصرف السابقون يثبتون دعائمه ويبسطون سلطانه
وموقف القيادة والتوجيه لذلك يتطلب من صاحبه أن يكون مثلاً أعلى فيما يدعو إليه؛ مؤمناً بفكرته، مخلصاً لها، حريصاً على نجاحها؛ لا يبدو عليه في قول ولا عمل ما يشعر بعدوله عنها أو ضعف يقينه فيها. فإذا وجد ذلك القائد اقبل الناس عليه واستجابوا دعوته
إن مصر فيما يرى الناس زعيمة الشرق الإسلامي، فمن حقها إذن أن تكون القائد الموجه له في ذلك. فهل تستطيع أن تعمل بحرارة وإخلاص لفكرة سيادة الإسلام وسيطرته؟ وهل تستطيع النهوض بهذا العبء الشاق وتقوى على تكاليفه وتبعاته؟
إنها لتستطيع ذلك وتقدر عليه عن طريق الأزهر ورجاله، أزهر الشباب المملوء توثباً وأملاً وقوة، (أزهر القرن الرابع عشر - كما يسميه الأستاذ الزيات - الذي يضع لثقافة الشعب أساساً من الدين، ويقيم عليه من القواعد والنظم والأوضاع ما يقره العقل ويتقبله العصر وتقتضيه الحاجة)؛ الأزهر الذي يتفانى في سبيل ذلك ويكافح وينافح ويلجئ بسلطانه الروحي رجال الحكم وذوي الرياسات على تنفيذ ما رسم والإيمان بما آمن، لا يعرف من أجل هذه الغاية النبيلة هوادة ولا انتظاراً ولا مجاملة؛ الأزهر المخلص الذي يراه الشعب كذلك فيكون حليفه وناصره، ينقاد لأمره ويعمل برأيه ويسير بخطواته؛ الأزهر الذي يقتفى بحق اثر صاحب الهجرة، فيؤمن إيمانه، ويكافح كفاحه، ويثق في الله ونصره وثوقه، ويعتمد عليه اعتماده
يقول الأستاذ الأكبر:(كانت الهجرة حداً فاصلاً بين الذلة والعزة وبين الضعف والقوة)؛ فهل يعيد التاريخ نفسه فتكون ذكرى الهجرة اليوم حداً فاصلاً بين ذلة الحاضر وعزة المستقبل، وبين ضعف اليوم وقوة الغد؟ وهل تكون رمزاً لانتصار حق الدين على باطل المدنية الكاذبة الخداعة، فينخلع المسلمون عامة مما هم فيه من مجائبة لنظم الإسلام وتعاليمه وإرشاداته، ويعودوا إلى الحنيفية البيضاء يترسمون خططها ويتبعون هداها وينزلون على أحكامها؟